تأثير تقلبات أسعار النفط الخام العالمية على التضخم والنمو الاقتصادي في العراق للمدة 1990 – 2014


الطالب : مرتضى هادي جندي    المشرف : أ.م.د. رحيم حسوني زيارة 


تمت في كلية الادارة والاقتصاد – جامعة بغداد ، مناقشة رسالة الماجستير في تخصص الاقتصاد للطالب ( مرتضى هادي جندي ) عن دراسته الموسومة ” تأثير تقلبات أسعار النفط الخام العالمية على التضخم والنمو الاقتصادي في العراق للمدة 1990 – 2014 “.


تعد الثروة النفطية أحدى المقومات الأساسية للتنمية الاقتصادية  المستدامة في البلدان التي تمتلك تلك الثروة , وبإمكانها أن تحقق النمو الاقتصادي بوقت اسرع وبشكل افضل مقارنة مع البلدان التي لا تمتلكها . الا إن الاعتماد المفرط على هذه الثروة في تمويل برامجها التنموية ومعدلات نموها الاقتصادي جعل من اقتصاداتها تتسم بالريعية لارتباطها بسوق النفط العالمي وتأثيراته المختلفة ، ولا يخفى أن تقلبات أسعار النفط العالمية متأتية من أسباب سياسية واقتصادية متعددة , لعل أبرزها حالة اختلال قوى السوق وما لهذا من تأثير واضح على أسعار النفط.


وتختلف حدة تأثير تقلبات أسعار النفط العالمية على البلدان المصدرة للنفط بحسب نسبة مساهمة القطاع النفطي في تكوين الناتج المحلي الإجمالي قياساً بالقطاعات الأخرى , لذا نجد البلدان التي يشكل القطاع النفطي الحصة الاكبر في تكوين ناتجها المحلي الإجمالي , والمصدر الرئيس لتمويل إنفاقها العام هي اكثر عرضة لمشكلات تقلبات أسعار النفط العالمية, وفي العراق يتضح ذلك جلياً , إذ يتصف اقتصاده بأنه اقتصادً احادي الجانب يعتمد على العوائد النفطية في تمويل إنفاقه العام والوفاء بالتزاماته المتعددة , إذ يشكل القطاع النفطي الحصة الاكبر في تكوين ناتج المحلي الإجمالي , لذا تنعكس تأثيرات تقلبات أسعار النفط بوضوح في النمو الاقتصادي من خلال قناة الموازنة العامة.


هدفت هذه الدراسة إلى بيان الأثار السلبية لتقلبات أسعار النفط العالمية على النشاط الاقتصادي في البلدان المتقدمة والنامية سواء أكانت هذه البلدان منتجةً للنفط ام مستهلكةً له ، و تبرز اهميتها من خلال دراسة وتحليل تأثير تقلبات أسعار النفط العالمية على بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي في العراق كالتضخم والنمو الاقتصادي للمدة (1990– 2014) , على اعتبار أن أسعار النفط الخام تؤثر بشكل مباشر على مجمل المتغيرات الاقتصادية الكلية لاسيما الدول المنتجة للنفط , ومن ثم أي تقلبات في تلك الأسعار ستحدد نوع الصدمة في الاقتصاد الوطني ، من خلال استخدام الأساليب القياسية والإحصائية , إذ تم تقدير خمسة نماذج قياسية للوصول لتلك الاهداف , إذ اظهرت نتائج اختبار الاستقرارية عدم استقرار معظم المتغيرات عند مستواها الاصلي , لكن تحقق استقرارها عند اخذ الفروق الأولى لها , فيما اظهرت نتائج التكامل المشترك بمنهجيتيه ( جوهانسن جيسليوس و الانحدار الذاتي للإبطاء الموزع ) وجود علاقة تكاملية بين أسعار النفط الخام والناتج المحلي الإجمالي الاسمي مع النفط وبدونه , بينما نجد عدم وجودها مع متغيرات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مع النفط وبدونه و كذلك معدل التضخم.


أخيرا , انتقلت الدراسة إلى اجراء اختبار سببية كرانجر لبيان العلاقة السببية بين أسعار النفط ( متغير مستقل ) و معدل التضخم والناتج بنوعيه مع النفط وبدونه ( متغيرات تابعة ) . لتؤكد على وجود علاقة سببية بين أسعار النفط الخام والناتج المحلي الإجمالي الاسمي مع النفط وبدونه , بينما انعدمت تلك العلاقة مع معدل التضخم والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بدون النفط , فيما كانت تلك العلاقة ضعيفة مع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مع النفط . 



ولبغية تحقيق اهداف الدراسة واثبات أو دحض الفرضيتين المذكورتين , اعتمد الباحث على الجمع بين أسلوبي التحليل الاستقرائي والاستنباطي من خلال تحليل البيانات التأريخية من جداول قيد الدراسة وتتبع تطوراتها عبر الزمن واستقراء الواقع الاقتصادي , ومن ثم استنباط الأثار والنتائج للوصول إلى نتائج محددة من خلال الأدوات الاقتصادية المتاحة , فضلا عن اعتماد المنهج الكمي من خلال استخدام الأساليب القياسية الحديثة بالاعتماد على البرنامج الإحصائي Eviews 9 في التحليل القياسي ، حيث تم تقسيم الدراسة الى ثلاثة فصول : تضمن الفصل الأول ” الإطار النظري للأسواق والأسعار النفطية العالمية والتضخم والنمو الاقتصادي ” , وبمباحث اربعة : انصرف الأول إلى دراسة الأسواق والأسعار النفطية العالمية والعوامل المؤثرة عليها , بينما كرس الثاني إلى دراسة التضخم وأسبابه وأبرز تفسيراته , في حين تضمن الثالث دراسة النمو الاقتصادي وانواعه وعلاقته بالإنفاق العام  و الناتج المحلي الإجمالي, ويأتي المبحث الاخير لدراسة تحليل تأثير تقلبات أسعار النفط على التضخم والنمو الاقتصادي.


بينما تضمن الفصل الثاني ” دراسة وتحليل واقع الثروة النفطية و التضخم و النمو الاقتصادي في العراق للمدة 1990-2014 “, وقُسّمِ على اربعة مباحث : كرس الأول إلى دراسة وتحليل واقع الثروة النفطية في العراق , في حين انصرف الثاني إلى دراسة وتحليل واقع التضخم في الاقتصاد العراقي , بينما  تضمن الثالث دراسة وتحليل واقع ومراحل النمو الاقتصادي في العراق  , ويأتي المبحث الأخير لدراسة وتحليل تأثير تقلبات أسعار النفط  الخام على التضخم والنمو الاقتصادي في العراق.


اما الفصل الثالث ” التحليل القياسي لتأثير تقلبات أسعار النفط الخام العالمية على التضخم والنمو الاقتصادي في العراق , وقُسّمِ على مبحثين : خصص الأول إلى دراسة الإطار النظري للنماذج القياسية  المستخدمة , بينما كرس الثاني إلى عرض وتحليل نتائج النماذج القياسية المستخدمة . وأخيراً عرض أبرز الاستنتاجات التي توصلت اليها الدراسة , فضلا عن تقديم بعض التوصيات.


بعد استقراء و تحليل وقياس واقع الاقتصاد العراقي تم التوصل إلى استنتاجات عدة هي : 


1. هناك اتساق كبير بين تقلبات أسعار النفط الخام والإنفاق الاستثماري العام , إذ يزداد بزيادة الأسعار وينخفض بانخفاضها , فيما كان ذلك الاتساق ضعيفاً مع الإنفاق الاستهلاكي , نظرا لحساسية مكوناته وعدم مرونتها اتجاه تلك الأسعار , فضلا عن سياسة المناقلة بين النفقات, جعلت من ذلك الاتساق ضعيفاً.

2. ضعف التأثير المرغوب فيه للإنفاق العام على الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مع النفط فيما انعدم ذلك التأثير على الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بدون النفط , فعلى الرغم من الزيادات الكبيرة في الإنفاق العام الا إن معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مع النفط وبدونه لم تكن تتناسب وتلك الزيادات , مما يدل على ضعف كفاءة واداء الاقتصاد العراقي في تحقيق النمو الاقتصادي الحقيقي.

3. إن التقلبات التي تحدث في أسعار النفط الخام لا تؤثر على معدل التضخم في العراق , إذ شهد الاخير ادنى معدل له خلال مدة الدراسة عندما كانت أسعار النفط في ذروتها وكان ذلك عام 2013 , وهذا يتنافى مع فرضية الدراسة , وجاء ذلك بسبب السياسة النقدية التي انتهجها البنك المركزي للحفاظ على استقرار المستوى العام للأسعار ضمن حدود منخفضة ومقبولة.

4. وجود علاقة توازنية موجبة في المدين القصير والطويل بين تقلبات أسعار النفط الخام والناتج المحلي الإجمالي الاسمي مع النفط وبدونه , وهذه النتيجة تتوافق مع فرضية الدراسة.

5. انعدام تأثير تقلبات أسعار النفط الخام على الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بدون النفط نتيجة سوء ادارة و تخصيص الثروة النفطية فيما يحقق النمو الاقتصادي الحقيقي في القطاعات الاقتصادية عدا النفط , وهذه النتيجة تتوافق مع فرضية الدراسة.

6. عدم وجود علاقة توازنية طويلة الأمد بين تقلبات أسعار النفط الخام  والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مع النفط , بينما توجد هنالك علاقة سببية ضعيفة في المدى القصير بينهما , وذلك بسبب الاستثمارات التي تمت في قطاع النفط بفعل جولات التراخيص , وهذه النتيجة تتوافق مع فرضية الدراسة.

7. اكدت نتائج اختبار الاستقرارية بأن معظم المتغيرات غير مستقرة عند مستواها الاصلي , فيما استقرت تلك المتغيرات عند اخذ الفروق الأولى لها.

8. وجود علاقة سببية بين أسعار النفط الخام والناتج المحلي الإجمالي الاسمي مع النفط وبدونه , فيما انعدمت تلك العلاقة مع معدل التضخم والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بدون النفط , فضلا عن ضعفها مع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مع النفط.


وانتهت الدراسة بعدد من التوصيات منها :


1. ضرورة صياغة استراتيجية واضحة المعالم بشأن ادارة وتخصيص العوائد النفطية وفق رؤية اقتصادية مدروسة بعمق تهدف إلى انهاء حالة التشوه والاختلال في هيكل الاقتصاد الوطني والعمل على مبادلة التنمية المستدامة بالعوائد النفطية , ولتحقيق ذلك لابد من تشكيل مجلس يتكون من ممثلي السلطات الثلاث ومن المتنفذين ذات الاختصاصات العلمية الدقيقة, ليأخذ على عاتقه رسم السياسات الاقتصادية الكلية بما يحقق الفائدة للاقتصاد بشكل عام , فيما تكون مراقبة اعمال ذلك المجلس من قبل لجنة تتكون من ممثلي لهيئة النزاهة واللجنة الاقتصادية البرلمانية ومديرية المفتش العام ومن المتخصصين حصراً , فضلا عن ممثلي عن السلطة القضائية , على أن يكون ذلك المجلس لا يشكل وفق معايير المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية و أنما وفق المعايير العلمية والمهنية والوطنية.

2. تنوع قاعدة الاقتصاد الوطني من خلال تطوير القطاعات الاقتصادية ورفع نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي  ولاسيما القطاع السياحي لما يدره من عوائد مالية وفرص عمل كثيرة تسهم في تحسن مستوى معيشة الافراد و الأقلال من مشكلة البطالة , كما أن استغلاله لا يتطلب جهود كبيرة مقارنة بالقطاعات الاخرى.

3. ضرورة الاستفادة من الثروة النفطية من خلال معالجة النفط الخام وتحويلة إلى مشتقات نفطية وعدم الاكتفاء بتصديره بشكل خام , ذلك لما يوفر من اموال طائلة يمكن الاستفادة منها في تحقيق النمو الاقتصادي للاقتصاد الوطني.

4. الاقلال من سياسة المناقلة بين النفقات واستخدامها في الاوقات الحرجة جداً , و رفع تخصيصات الإنفاق الاستثماري بما يحقق التوسع في الطاقات الإنتاجية وبناء البنى الارتكازية بوصفها الارضية اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب.

5. ضرورة تفعيل دور السياسة الضريبية بشكل تدريجي بما يتماشى مع تطور الاقتصاد الوطني للأقلال من الاعتماد الاقتصاد على العوائد النفطية.

6. ضرورة استمرار السيطرة على معدلات التضخم ومحاولة تحقيق التضخم المستهدف الذي هو الهدف الرئيس للسياسات الاقتصادية للوصول إلى تحقيق النمو الاقتصادي المرغوب.

7. الارتقاء بالصناعة النفطية عن طريق تأهيل المنشأت الاستراتيجية والتصديرية ليتناسب ذلك و المستويات المرتفعة التي يمتلكها العراق من الاحتياطيات النفطية المؤكدة.

8. إن تقلبات أسعار النفط الخام , يحتم على الحكومة أنشاء صناديق سيادية يتم الادخار فيها في اوقات ارتفاع الأسعار , ليتم اللجوء اليها في اوقات الازمات , وهذه التجربة معمول بها في الكثير من الدول النفطية كصندوق ضبط الايرادات العامة في الجزائر وصندوق الكويتي للأجيال المستقبلية.

Comments are disabled.