دور صناع المعرفة في بناء القدرات الاستراتيجية


الطالبة : براء شوقي مشعل            المشرف : أ.م.د. هديل كاظم سعيد

تمت في كلية الادارة والاقتصاد – جامعة بغداد ، مناقشة رسالة الماجستير في تخصص الادارة العامة للطالبة ( براء شوقي مشعل ) عن دراستها الموسومة ” دور صناع المعرفة في بناء القدرات الاستراتيجية “.


تزامنت التحولات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية التي يشهدها العالم لتوليد تيارات من التغير والتطوير في ملامح المنظمات وتوجهاتها وأهدافها , مما يُحتم الكشف و التنبؤ بمستقبل المنظمات والبحث عن أساليب استراتيجية ملائمة تخترق قواعد النمطية وتستطلع حالات عدم التأكد لمواجهة هذه التيارات ,المقترنة بوجود افراد يديرون كافة موارد المنظمة ويوجهونها معرفياً , كمورد جوهري واساسي في ادارة المنظمات ورفع مستوى ادائها ومواجهة بيئتها التي لا يكافئ مع تحدياتها الديناميكية وتعقيداتها سوى اصحاب العقول المبدعة والتأهيل العلمي العالي وذوي المقدرات الفريدة المقترنة بالمعرفة وهم (صناع المعرفة), فإدراك المنظمات لأهمية استثمار معارفهم وخبراتهم ومقدراتهم الفكرية والعمل على توظيفها عملياً لبناء قدراتها الاستراتيجية ستؤمن مرتكزاً رصيناً يعزز دعائم نجاحها وينمي مقومات استمرارها في ظل المعطيات الراهنة , لذلك تحاول المنظمات لاسيما المنظمات التعليمية باعتبارها حاضنة لصناع المعرفة ومراكز للتقدم العلمي والمعرفي والاجتماعي لكونها اكثر المنظمات التحاما بالمجتمع , الى استثمار المزيد من اموالها لتنمية ثروتها البشرية المعرفية (صناع المعرفة) كخيار استراتيجي ومورد اساسي للتفوق , وبناء قدرات تقلص الفجوة بينها وبين المنظمات المنافسة , وانطلاقاً من هذه الحقيقة جاءت فكرة البحث للتعرف من خلال دراسة علاقة التأثير والارتباط بينهما باعتبار صناع المعرفة (متغير مستقل) والقدرات الاستراتيجية (متغير معتمد) لتحديد درجة ونوع العلاقة التي تربط المتغيريّن ايماناً من الباحثة بأن صناع المعرفة ركيزة اساسية وقوة فريدة بتأثيرها ومواكبة للتغيرات بمعرفتها , فضلاً عن كونه المورد الوحيد الذي يبنى بالتراكم ولا ينقص بالاستعمال , وله دور فعال في تعزيز مكانة المنظمة وبناء قدراتها الاستراتيجية اذا ما تم استثماره بسياسات توفر المناخ المناسب والمتطلبات اللازمة للأبداع , فعند توافر صناع المعرفة بخصائصهم المعرفية المتميزة مع البيئة المحفزة والملائمة في اطار منسجم منسق متناغم , سيكون التميز المدخل الاستراتيجي لمنظمة تبحث عن التفوق في ضوء امتلاكها للقدرات الاستراتيجية النادرة والفريدة في تكوينها وتأثيرها.


لذا انطلق البحث من مشكلة اساسية ببعدين يمثل البعد الاول منها قلة الدراسات المتعلقة بالربط بين متغيرات البحث (صناع المعرفة والقدرات الاستراتيجية ) التي تتطلب بحثاً وتشخيصاً فكرياً و فلسفياً معمق لمتغيراتها وابعادها وتحديد ما تنتجه المتغيرات من انعكاسات ايجابية او سلبية على المجتمع بصورة عامة وعلى الجامعات العراقية بصورة خاصة, اما بعدها الثاني فيتمثل بقلة الاهتمام بمضامين ابعاد متغيرات البحث الاستراتيجية في جامعة صلاح الدين/أربيل.


و تبرز أهمية البحث من خلال أهمية متغيراته المبحوثة , فضلاً عن قلة الدراسات السابقة التي جمعت بين تلك المتغيرات (صناع المعرفة , القدرات الاستراتيجية), وبالتالي  سيسهم هذا البحث في تبني هذه المتغيرات وتعميم مفاهيمها فكرياً وعملياً وتحديد المسارات والأساليب الواجب اعتمادها لتشخيص علاقة التأثير والارتباط بينهما وبيان ما ستفرضه تلك العلاقة من معطيات إيجابية تخدم المجتمع بصورة عامة وعلى ضوء ذلك تحددت اهمية البحث بالوقوف على واقع الجامعة في تبني صناع المعرفة وتشخيص دورهم في بناء القدرات الاستراتيجية , اذ تم صياغة مجموعة فرضيات رئيسة وفرعية بناءً على مشكلة البحث.


وتحدد البحث بأربعة فصول انسجاماً مع اهداف البحث , اذ تضمن الفصل الاول مبحثين تناول المبحث الاول عرضاً لمنهجية البحث , أما المبحث الثاني فقد تناول الدراسات السابقة ومجال الاستفادة منها , فيما ذهب الفصل الثاني للجانب النظري (الفكري والفلسفي ) للبحث وبثلاثة مباحث , اذ خصص المبحث الاول (لصناع المعرفة ) بينما خصص المبحث الثاني (للقدرات الاستراتيجية) والمبحث الثالث تناول العلاقة بين متغيرات البحث (صناع المعرفة والقدرات الاستراتيجية ) , واختص الفصل الثالث لعرض الجانب العملي للبحث وبخمسة مباحث (الأول للتحليل العاملي التوكيدي لفقرات استبانة البحث, والثاني لعرض وتحليل النتائج لأجمالي اراء مجتمع البحث, والثالث لعرض وتحليل نتائج علاقات الارتباط بين متغيرات البحث, والرابع لإختبار وتحليل فرضيات التأثير, والخامس لتحليل نتائج اختبار الفروق المعنوية لمتغيرات البحث), وأخيراً أُختتم البحث بالفصل الرابع ليتناول مبحثه الأول الاستنتاجات , فيما خصص المبحث الثاني للتوصيات وبعض المقترحات ذات العلاقة بموضوع البحث.

وتوصلت الدراسة الى طرح جملة من الاستنتاجات الميدانية بوصفها نتاج لما توصلت إليه الباحثة من نتائج تحليلية للواقع التطبيقي, لذا ستعرض الباحثة أهم الاستنتاجات التي توصلت لها , وعلى النحو الآتي :

1. إمتلاك القيادات الاكاديمية في الكليات المبحوثة المقدرات الفكرية والمعرفية والمهارات المتقدمة ضمن التخصص العلمي والمستوى الاستراتيجي المطلوب, ليكونوا صناع قرار ومعرفة حقيقيون لقابليتهم على التفسير المنطقي والعلمي للمواقف والاحداث والمشاكل التي يواجهونها في بيئة عملهم, لذلك  حقق بعد المقدرات الفكرية المرتبة الاولى من حيث الاهمية لأبعاد صناع المعرفة.

2. تتمتع القيادات الأكاديمية في الكليات المبحوثة بالقدرة على مواجهة التحديات الادارية والعلمية من خلال سعيهم الجدي لتأدية اعمالهم بدقة وبإحاطة تامة لجميع المعلومات المطلوبة لبلوغ مستويات عالية من الانجاز, وبذلك تكون المناصب الادارية العليا ممنوحة لأيدي كفؤة ومنجزة.

3. ثبت تفرد القيادات الاكاديمية في الكليات عينة البحث بصفات تميزهم عن غيرهم وهي(الالتزام والولاء وحب العمل وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة) فضلاً عن إمتلاكهم قابليات وإمكانيات ابداعية تنعكس في نتاجاتهم الفكرية والمعرفية التي تدعم ثقافة الكلية المبحوثة وتعزز توجهها المعرفي.

4. ظهرت رغبة القيادات الاكاديمية في الكليات المبحوثة بالنمو الذاتي والتطوير الفردي في مجال اختصاصهم العلمي والمعرفي وبما ينسجم مع اهداف الكلية وتوجهاتها , رغم تمتعهم بالاستقلالية والحرية النسبية وليست المطلقة لاتخاذ القرارات الادارية ضمن نطاق العمل.

5. ثبت زيادة إعتماد الكليات المبحوثة على الذكور بشكل أكبر لتولي مناصب ادارية عليا , مع الاخذ بالاعتبار اعطاء فرص للعنصر النسوي للمشاركة في تلك المناصب , لذلك نسبة الذكور من القيادات الاكاديمية لدى الكليات المبحوثة تفوق نسبة الإناث.

6. ثبت حرص الكليات المبحوثة على ان يكون قياديها الأكاديميون ذوي شهادات جامعية عليا , لضمان تمتعهم بمقدرات معرفية علمية متميزة واساسية لصنع قرارات ادارية ناضجة تحكمها أُسس علمية وزمنية مدروسة , لذلك أكثر المبحوثين هم من حملة شهادة الدكتوراه.

وتوصلت الدراسة الى عدد من التوصيات استناداً الى النتائج التي توصلت اليها الباحثة فضلاً عن تقديم مجموعة من المقترحات وكالآتي : 

1. لأهمية  و دور صناع المعرفة في مواجهة التحديات المعاصرة والحد من اثارها بمقدراتهم الفكرية والمعرفية , يوصي البحث الى توسيع ادوارهم والاهتمام بهم في الكليات المبحوثة وذلك من خلال :

استقطاب العقول ذات المقدرات المميزة والتفرد العالي.
توفير الحوافز المادية والمعنوية لتشجيعهم على الابداع وتطوير الذات.
مشاركتهم في صنع القرارات الإدارية.
التعامل معهم بأسلوب ديمقراطي , فخصائصهم تستدعي التعامل معهم بمرونة , لشعورهم الدائم بأنهم قادة انفسهم وموجهين ذاتياً.
تكليفهم بأعمال تتطلب تحديات ذاتية لتنشيط قابلياتهم الذاتية للمواجهة والانجاز.

2. جعل أبعاد صناع المعرفة(المقدرات الفكرية , التحدي والانجاز , النمو الفردي , التميّز) قيماً تعكس خصائص القيادات الاكاديمية للكليات المبحوثة وبما يكفل نمو وبناء قدراتها استراتيجياً.

3. يتوجب على الكليات المبحوثة عقد جلسات للعصف الذهني لكشف المقدرات والقابليات المعرفية لصناع المعرفة في سبيل استثمارها وتوظيفها لبناء قدراتها الاستراتيجية.

4. تنشيط نظام الحوافز (المالية والمعنوية) في الكليات المبحوثة وبما يتناسب مع الجهود المبذولة من قبل صناع المعرفة عينة البحث , وذلك من خلال :

اعتماد معايير اكثر مرونة واكثر توازناً لأغراض الترقية العلمية.
الاخذ بنظر الاعتبار الخبرة العلمية والعملية وممن لديهم عمل متميز.

5. تشجيع إدارات الكليات العنصر النسوي للعمل في الهيئات التدريسية وفي المستويات الادارية العليا , وتوليد المناخ التنظيمي الملائم لهن , وتسهيل فرص حصولهن على مقاعد في الدراسات العليا.

6. إعطاء نوع من الحرية والاستقلالية لصناع المعرفة عينة البحث ليزدادوا ثقة وابداع في تأدية المهام  وإنجازها دون الرجوع إلى المسؤول الاعلى وبذلك اختصار للوقت والجهد والإسراع في حل المشاكل دون تقيّد.

Comments are disabled.