تمت في كلية الادارة والاقتصاد – جامعة بغداد ، مناقشة رسالة ماجستير في تخصص الاقتصاد للطالب (منعم حسين علي ) بأشراف أ.م.د. سمير سهام داود عن دراسته الموسومة ((  دور الجهاز المصرفي في معالجة تأثيرات سياسة التقشف في العراق)) .

يتم تطبيق سياسة التقشف المالي عندما يكون هنالك عجز في الموازنة العامة بسبب انخفاض الإيرادات العامة من جهة، وتزايد حجم النفقات العامة من جهة أخرى، ففي المدة (2003_2014) وبسبب الزيادة التي شهدتها أسعار المنتجات النفطية أدى ذلك الى زيادة الايرادات النفطية ومن ثم زيادة الإيرادات العامة مما أدى الى قيام الحكومة باتباع سياسة مالية توسعية من خلال زيادة الانفاق العام، مما أدى الى زيادة الطلب الكلي والناتج والتوسع في النشاط الاقتصادي.

اذ ان التوسع في الانفاق العام ظهرت أثاره خلال المدة (2014_2016) اذ شهدت أسعار النفط انخفاضا ملحوظا الامر الذي قاد الى انخفاض الإيرادات النفطية مما أدى الى انخفاض الإيرادات العامة وتزامن ذلك مع تزايد حجم النفقات العامة بسبب الظروف الأمنية التي يمر بها العراق مما أدى الى حدوث عجز في الموازنة العامة وهذا بدوره أجبر الحكومة على اتباع سياسة التقشف المالي لتقليص الفجوة بين حجم الإيرادات العامة والنفقات العامة، اذ ان تطبيق سياسة التقشف المالي له أثار سلبية في مؤشرات الأداء الاقتصادي، اذ ان تخفيض حجم الانفاق العام من قبل الحكومة أدى الى انخفاض الطلب الكلي، يعد الانفاق العام من المكونات الرئيسة للطلب الكلي مما أدى الى انخفاض الناتج وتراجع مستوى النشاط الاقتصادي، مما أدى الى حدوث حالة ركود في الاقتصاد وتزايد معدلات البطالة ومن هنا يأتي دور الجهاز المصرفي في التخفيف من أثار سياسة التقشف المالي.

اذ ان للسياسات الاقتصادية (المالية والنقدية) دور فاعل في تنشيط الاقتصاد من خلال استعمال ادواتها التي تستطيع من خلالها التأثير في عمل المصارف التجارية بعدها العامل الرئيس في تحريك الاقتصاد من خلال التوسع في عملية منح الائتمان، فبعد صدور القانون الجديد للبنك المركزي العراقي عام 2004 الذي كرس استقلاليته في إدارة السياسة النقدية، أدى ذلك الى التوقف عن طبع النقود لتمويل العجز في الموازنة العامة، لذا لجأت الحكومة إلى استعمال الأسلوب البديل وهو التمويل بالدين والأداة الائتمانية المستعملة في ذلك هي إصدار السندات وأذونات الخزينة وبيعها إلى المصارف التجارية لتوفير التمويل، ومن مزايا هذه السياسة أنها لا تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم لأنها لا تؤدي إلى الزيادة في معدلات نمو عرض النقد، وهي تعمل فقط على نقل القوة الشرائية من الجمهور إلى الحكومة.

كما ان التنسيق الفعال بين السياستين المالية والنقدية له انعكاساته على المتغيرات النقدية من خلال الاثر الذي يتركه ذلك التنسيق في الاقتصاد، اذ يعد الاقتراض من البنك المركزي سياسة مالية بهدف تمويل عجز الموازنة، وبعد تمويل الإنفاق العام سوف تذهب المبالغ إلى الأفراد الذين يودعونها في المصارف التجارية الأمر الذي يزيد من قدرة المصارف على خلق الودائع والتوسع في منح الائتمان، اذ ترتب على الإجراء المالي أثر نقدي، فالحكومة لا تنوي زيادة عرض النقد، ومع ذلك ظهر التوسع في عرض النقد نتيجة الإجراء المالي وبهذا فقد أنتجت السياسة المالية إجراءً نقديًا جديدا مما يؤدي الى زيادة الإنتاج وتشجيع الاستثمار ويكون ذلك عن طريق (تخفيض الضرائب وتخفيض سعر الفائدة على القروض المقدمة للمصارف التجارية) فإذا خفضت السياسة المالية الضرائب وقامت السياسة النقدية بتخفيض كلفة الاقتراض على المصارف فإن ذلك يشجع على الاقتراض وتظهر الآثار المالية والنقدية الإيجابية، من خلال زيادة حجم الوعاء الضريبي وبالتالي يؤدي ذلك الى زيادة حصيلة الايرادات الضريبية مما يؤدي الى زيادة الإيرادات العامة وبالمحصلة يؤدي ذلك الى تمويل عجز الموازنة العامة.

وقد توصلت الدراسة الى مجموعة من الاستنتاجات اهمها :

1) ان التوسع في الانفاق العام من قبل الحكومة العراقية خلال المدة (2003_2014)، وعدم استغلال الفوائض النقدية المتأتية من الارتفاعات التي شهدتها أسعار النفط، أدى الى استنزاف الاحتياطيات من العملة الأجنبية لدى البنك المركزي، مما أدى الى ظهور مشكلة العجز في الموازنة العامة خلال المدة (2014_2016) مما اجبر الحكومة على اتباع سياسة التقشف المالي.

2) سجلت الموازنة العامة عجزاً كبيرا خلال المدة (2014_2016) وذلك وبسبب الانخفاض الشديد لأسعار النفط والظروف الأمنية التي يمر بها العراق مما أدى الى انخفاض الإيرادات النفطية مما اجبر الحكومة على اتباع سياسة تقشف مالي تمثل في بنود الانفاق الجاري والاستثماري وهذا أثر بدورة في الطلب المحلي والعرض المحلي وفي الدخل القومي.

3) ان اتباع سياسة التقشف المالي من قبل الحكومة أدى الى ظهور اثار سلبية في مؤشرات الأداء الاقتصادي، اذ ان تخفيض الانفاق العام وزيادة الضرائب أدى الى تخفيض الدخول لدى الافراد مما أدى الى انخفاض انفاقهم بشقية (الاستهلاكي والاستثماري) مما أدى الى انخفاض الطلب الكلي ومن ثم انخفاض الناتج مما أدى الى حدوث حالة ركود في الاقتصاد العراقي.

4) الاقتصاد العراقي يعتمد وبصورة رئيسة على الإيرادات النفطية إلى الحد الذي تكاد تكون فيه الإيرادات العامة دالة للإيرادات النفطية، إذ ارتبطت اتجاهات نموها أثناء مدة الدراسة بالتغيرات الحاصلة في اتجاهات نمو الإيرادات النفطية، وهو ما يؤشر حقيقة ضيق قاعدة الإيرادات العامة، لاستمرار أحادية الاقتصاد العراقي.

5) للسياسات الاقتصادية (المالية والنقدية) في العراق دور فاعل في تنشيط عمل المصارف التجارية، اذ تقوم السياسة النقدية ومن خلال استعمال ادواتها المباشرة ام غير المباشرة في تحفيز عمل المصارف من خلال تخفيض سعر الخصم على القروض المقدمة للمصارف او تخفيض نسبة الاحتياطي الالزامي مما يؤدي الى زيادة الاحتياطيات النقدية لدى المصارف التجارية وبالتالي زيادة قدرتها على منح الائتمان.

6) يعد مزاد العملة الاجنبية المجال المناسب في تحديد سعر الصرف الذي ترغب به السياسة النقدية وتعتمده هدفاً وسيطاً، بغية تحقيق هدفها النهائي متمثلاً باستقرار المستوى العام للأسعار والحد من الضغوط التضخمية، إذ عد مزاد العملة الاجنبية السوق المركزية للصرف في العراق، وواحداً من أساليب السياسة النقدية المؤثرة في استقرار الطلب الكلي المؤدي إلى استقرار المستوى العام للأسعار، وخفض معدلات التضخم من خلال التأثير المباشر في نمو الكتلة النقدية والسيطرة عل مناسيب السيولة.

وفي ضوء الاستنتاجات التي توصلت اليها الدراسة يوصي الباحث بمجموعة من التوصيات اهمها :

) الاستعمال الأمثل لأي ارتفاع حاصل في أسعار النفط الذي يؤدي بدوره الى زيادة الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي مما يؤدي الى زيادة الثقة بالنظام المصرفي من جهة، والاستفادة من الزيادة الحاصلة في الإيرادات النفطية من جهة أخرى، عن طريق توجيهها نحو تطوير البنى التحتية التي تساعد على قيام الاستثمارات في الاقتصاد العراقي.

2) العمل على إعادة هيكلة النفقات العامة بتوجيهها نحو الانفاق الاستثماري الذي يؤدي بدوره الى زيادة الطلب الكلي ومن ثم الناتج مما يؤدي الى تحريك الاقتصاد وتخفيف اثار سياسة التقشف المالي.

3) استغلال الزيادة الحاصلة في أسعار النفط عن طريق قيام الحكومة باتباع سياسة مالية توسعية بزيادة الانفاق العام ولاسيما الانفاق الاستثماري الذي يؤدي الى زيادة الطلب الكلي وبالتالي الناتج زيادة الناتج الكلي ورفع مستوى النشاط الاقتصادي.

4) العمل على تنويع الاقتصاد عن طريق البحث عن وسائل اضافية تساعد الايرادات النفطية في تمويل النفقات العامة ومنها الاهتمام بالجانب الضريبي الذي تستخدمه دول أخرى كمورد رئيس للإيرادات العامة.

5) قيام السلطة النقدية بدعم المصارف التجارية عن طريق تخفيض كلفة الاقتراض (سعر الخصم) على القروض التي تقدمها الى المصارف وهذا يؤدي الى زيادة الاحتياطيات النقدية لدى المصارف مما يزيد من قدرتها على منح الائتمان.

6) استعمال اداة حوالات الخزينة في شكلها الصحيح وبالحجم المناسب، لأنها تستحق الدفع مع الفوائد في وقت تسديدها، اذ انها تعد اداة معتادة لتمويل العجز في الموازنة العامة في اغلب الدول العالمية.

 

Comments are disabled.