تمت في كلية الادارة والاقتصاد – جامعة بغداد ، مناقشة اطروحة دكتوراه في تخصص الاقتصاد للطالب (محمد شهاب احمد)  بأشراف أ. د. عماد محمد علي العاني عن دراسته الموسومة ((فاعلية السياسة المالية الاستنسابية في مواجهة حالة عدم الاستقرار الاقتصادي في العراق)).

يتسم اقتصاد العراق بالأحادية واعتماده المفرط على النفط، هذه الخاصية رهنت سياسته المالية بوضعية سوق النفط العالمية وما ينتابها من تقلبات عدة، ساهمت في ظهور أوضاع تتراوح بين الرواج والركود والتي بدورها تتعارض مع شروط الاستقرار الاقتصادي كمناخ ملائم للنمو، فضلا عن التحديات الاقتصادية المتمثلة بتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي، وتشوه أداء المالية العامة، والتحديات الأمنية وموجات النزوح الداخلي (بسبب الأعمال العسكرية) وما تتطلبه من توفير إيواء السكن والخدمات الطبية والإنسانية. وفي هذا الإطار جاءت الدراسة لتتقصى اثر فاعلية السياسة المالية الاستنسابية في مواجهة حالة عدم الاستقرار الاقتصادي في العراق للمدة ( 2004- 2016)، والتي تعكس التغييرات المقصودة في الإنفاق العام أو الإيرادات العامة من خلال استبعاد اثر الدورة الاقتصادية، وذلك باستخدام التحليل القياسي الكمي، أملاً في التوصل إلى نتائج تسهم في اتخاذ التوليفة الملائمة للولوج إلى رحاب التنوع الإنتاجي، والمعززة للاستقرار والنمو الاقتصادي المستدام.

تتجلى إشكالية البحث في السعي للإجابة لمتضمناته والتي تستند على محورين هما: فاعلية السياسة المالية الاستنسابية من جهة، والاستقرار الاقتصادي من جهة أخرى، ولاسيما إن مفهوم السياسة المالية الاستنسابية ليس مجرد إطار تنظيمي بجوانبه التشريعية والمؤسسية والإجرائية، وإنما يكمن خلف هذا الإطار سلوكيات وأهداف يسعى لتحقيقها وآليات يتم السعي من خلالها والتي تبرز بشكل جلي بارتباطها مع الاستقرار الاقتصادي.

تنبع أهمية البحث من خلال النقاط الآتية:

1- التعريف بآلية عمل السياسة المالية الاستنسابية وفاعليتها في بلوغ الاستقرار الاقتصادي، ومدى تأثيرها في المتغيرات الكلية، ومواكبة ظروف الركود والانتعاش التي تواجهها، للوقوف على الآثار الايجابية وبما يسمح في تعزيز كفاءة  أداء الاقتصاد العراقي، وتجاوز الآثار السلبية التي قد تنجم عن تطبيقها.

2- اقتراح مؤشرات يمكن إن تساعد راسمي السياسات الاقتصادية في العراق من اتخاذ القرارات المالية المناسبة، إذ يرتبط احد الاعتبارات المهمة المتعلقة بتقييم التأثير المترتب على موقف الموازنة العامة بالتمييز بين التغيرات التلقائية والتغييرات الاستنسابية، وبين العجز الدوري والعجز الهيكلي، فالتغييرات الاستنسابية تعكس تغييراً متعمداً في الإنفاق أو معدلات الضريبة، للتأثير على الناتج الحقيقي ومعدل البطالة. أما التغيرات التلقائية فهي تغيرات تعزى إلى انتقال الدورة الاقتصادية من الكساد إلى الرواج وبالعكس.

وقد توصلت الدراسة الى مجموعة من الاستنتاجات اهمها :

1- تعد السياسة المالية الاستنسابية والتي تعكس تغييرات مقصودة في أدواتها سواء كانت تغييرات في الإنفاق العام أم التغييرات في معدلات الضرائب وسيلة مهمة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي. لاسيما إن التوظيف عند المستويات المرغوبة واستقرار الأسعار لا تتحقق تلقائيا، بل يتطلب توجيه السياسة المالية لبلوغ هذا الهدف، فبدونها يميل الاقتصاد إلى الخضوع لتقلبات تتراوح ما بين البطالة أو التضخم، والأسوأ من ذلك إذا تزامنا معا ليتولد التضخم ألركودي.

2- تتسم السياسة المالية الاستنسابية  بوظائف من شأنها إن تكون عاملا منظما لتخصيص وتوجيه الموارد نحو القنوات المرغوبة اجتماعيا مع ارتفاع العائد الاقتصادي وتوسيع منحنى إمكانات الإنتاج وتحقيق مكاسب أفضل للرفاه الاجتماعي لتهيئة بيئة حاضنة للاستقرار ومحفزة للنمو الاقتصادي على المدى الطويل.

3- تقوم النظرية الاقتصادية في تكوينها البنيوي على فرضيات تشكل نسقا متجانسا في نمط العلاقات المكونة لها وذلك في إطار مناخها البيئي، الذي يتطور بالتطور الزمني، وعندما تتعارض هذه الفرضيات مع الواقع فان السيادة تصبح للحقائق في إطار قيمتها التاريخية، وهذا ما ينطبق على السياسة المالية والتطورات التي مرت بها والتي هي انعكاس للأفكار الاقتصادية التي كانت سائدة، إذ إن مقتضيات الواقع العملي والمشاكل التي صاحبت تطبيق هذه الأفكار في مراحل التطور المختلفة، قد قدمت العديد من المبررات الاقتصادية والاجتماعية بضرورة مواكبة السياسة المالية لهذه التطورات بغية تحقيق أهداف المجتمع بأقصى قدر ممكن من الفاعلية.

4- يعد وجود حزمة من السياسات الاقتصادية سواء كانت توسعية أم انكماشية وحسب ظروف المرحلة مسألة في غاية الضرورة لإعادة تصحيح مسار الاقتصاد، التي تؤمن قدراً من التوازن وتبعده نسبيا عن الأزمات وذلك للوصول إلى حالات من الاستقرار تحمي النظام الاقتصادي من التشوهات في مكوناته وموازينه المالية.

 

   من معطيات البحث أمكن التوصل إلى التوصيات الآتية:-

1- ايلاء الأهمية للسياسة المالية الاستنسابية كونها تملك القدرة على تحريك الطلب الاجمالي والتي تسعى لتحقيق غرضين أساسيين هما: الاستقرار الاقتصادي من خلال معالجة التقلبات الدورية التي تنتاب النشاط الاقتصادي وتصحيح الانحراف، والغرض الثاني تحفيز الاقتصاد اعتمادا على قواه الذاتية فيما بعد من خلال تحفيزه للعمل بشكل كفوء لتحقيق مستوى من الناتج المحلي الحقيقي يكون مساوياً او قريباً من مستواه الممكن.

2- ينبغي الاهتمام بالانضباط المالي كونه يهيئ مساحة كافية لتمكين الحكومة من التدخل لمواجهة الصدمات غير المتوقعة في ظل البيئة الاقتصادية المتقلبة، فضلا عن ترسيخ مصداقية السياسات الاقتصادية الكلية.

3- مواءمة تصميم القواعد المالية بشكل يتناسب مع الظروف الاقتصادية، كونها تضفي  مميزات مهمة للسياسة المالية الاستنسابية لضمان تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والتي من شأنها إن تبعث أشارات ايجابية مفادها قدرة صناع السياسة المالية لتصحيح مسار الاقتصاد، لاسيما عندما تكون مصحوبة بالتزامات قوية ستؤدي إلى الشفافية المالية التي تستحث الأداء المالي السليم، ومن ثم لا تترك مجالا للانحرافات غير المرغوب فيها.

4-  الاهتمام بمبادئ الحاكمية وإرساء قوانين وأنظمة محاسبية ملائمة لمراقبة وتنفيذ السياسة المالية الاستنسابية القادرة على تلبية المتطلبات والاحتياجات، إذ تعمل على إضفاء المزيد من النجاعة على التدخلات الحكومية بجعلها أكثر قربا من المواطن وأكثر استجابة لشواغله في خدمة المصلحة العامة وذلك من خلال تعزيز الشفافية والحد من الممارسات الانتقائية وضمان المنافسة بما يدعم نشاط القطاع الخاص وتحفيز المبادرة المجتمعية. إذ يعتمد النجاح التنموي التغذية الايجابية بين منظومات ثلاث هي: الحكومة، القطاع الخاص، المجتمع المدني.

 

 

 

 

Comments are disabled.