الطالب : مثنى سالم يحيى المشرف أ.د. صلاح مهدي عباس
تمت في كلية الادارة والاقتصاد – جامعة بغداد ، مناقشة رسالة الماجستير في تخصص الاقتصاد للطالب ( مثنى سالم يحي ) عن دراسته الموسومة ” العلاقة التداخلية بين الموازنة العامة والميزان التجاري في الاقتصاد العراقي ”
ان من بين اخطر المشاكل التي تواجه الدول الريعية هو غياب القدرة على ادراك حقيقية اوضاعها المالية ومقتضيات تعديلها بالاتجاه الصحيح, اذ غالبا ما تنساق هذه الدول نحو التوسع في الانفاق لتأثرها بفوائض المالية التي يوفرها الريع النفطي متناسية او متجاهلة حالة التذبذب التي تصيب مواردها المالية بين الحينة والاخرى بسبب تراجع اسعار النفط العالمية اذ يعتمد العراق في موازنته العامة على ايرادات متأتية من الخارج , وذلك لإعتماد الاقتصاد العراقي في إيراداته على النفط.
الامر الذي جعله يعيش حالة التخلف في قطاعاته غير النفطية على الرغم من توفر الموارد العديدة والمتنوعة والامكانات المتاحة وذلك بسبب اهمال القطاعات الانتاجية الاخرى والاعتماد على القطاع النفطي في تكوين الناتج المحلي الاجمالي كما أن النفقات العامة في العراق يتم تغطيتها من الايرادات المتأتية من عائدات النفط الخام بنسبة كبيرة مما يشكل خطورة على مجمل الاقتصاد العراقي , اذ تتعرض الايرادات النفطية الى تقلبات بسبب تقلب اسعار وكميات انتاج النفط , ولا شك ان هنالك ضعف في مساهمة الايرادات الضريبية والايرادات الاخرى , وهذا يعني ان اي انخفاض في الصادرات النفطية يؤدي الى حدوث خلل في الميزان التجاري ولاسيما أن حالة الميزان التجاري كان يعاني من عجز خلال سنوات الحرب التي مر بها العراق.
فضلاَ عن الحصار الذي فرض على الاقتصاد العراقي والذي أثر بشكل كبير على الصادرات والاستيرادات العراقية التي كانت شبه متوقفة , أذ ان الانخفاض في الصادرات النفطية الدور الاكبر في عجز الميزان التجاري فقد شكلت نسبة صادرات النفط (99%) من أجمالي الصادرات العراقية مقابل هذا تراجع صادرات القطاعات الاخرى خلال مدة الدراسة.
لذا تقدم هذه الدراسة رؤية اقتصادية لأسباب الاختلال في الموازنة العامة والميزان التجاري والتأثيرات التداخلية فيما بينهما , في ظل العجز التوأم في اقتصاد نفطي وغير نفطي ومحاولة قياس وتحليل هذه العجوزات التي تعاني منها معظم الدول التي تعتمد في أيراداتها على مورد واحد.
تنطلق أهمية الدراسة من كون ان الموارنة العامة في العراق الاداة الهامة والرئيسة بيد الحكومة في التأثير على النشاط الاقتصادي بغية تحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , وبالتالي فأن دراستها ستساعدنا في الوقوف على مدى الاختلال في بنية الناتج للاقتصاد العراقي , وعلى اساس ما تقدم فأن هذه الدراسة تهدف الى تحليل العلاقة التداخلية بين الموازنة العامة والميزان التجاري باستخدام الاسلوب القياسي وتعين اتجاه العلاقة السببية بين هذين المتغيرين من خلال تطبيق سببية (كرانجر).
يتصف الاقتصاد العراقي بكونه اقتصاد ريعي يعاني من اختلال في هيكلة الانتاجي والمتصف بهيمنة القطاع النفطي في تكوين الناتج المحلي الإجمالي , كما تعد الصادرات النفطية المصدر الرئيسي للعملة الصعبة, وبالتالي فأن عجز الميزان التجاري الناجم عن انخفاض انتاج وأسعار النفط سينعكس على عجز الموازنة العامة , لذا لابد من تنويع هيكل الاقتصاد لما في لذلك من أثار سلبية اقتصادية واجتماعية , اذ تتجه السياسة المالية في حال حدوث عجز في الموازنة العامة الى زيادة الإيرادات العامة و ضبط الانفاق العام, وفي حال حدوث عجز في الميزان التجاري تتجه نحو رفع الصادرات وتخفيض الاستيرادات ومن هنا نفهم طبيعة المشكلة التي تواجه الاقتصاد العراقي الذي يركز اهتمامه على احد العجزين دون الاخر بينما يرى الباحث ضرورة التنسيق بين السياستين لمعالجة العجزين نظرا لعلاقة التأثير المتداخل بينهما.
وتهدف الدراسة الى تحليل وقياس العلاقة التداخلية بين الموازنة العامة والميزان التجاري وتحديد اتجاه العلاقة السببية بينهما في الاقتصاد العراقي.
وتنطلق الدراسة من فرضية مفادها ((توجد علاقة سببية قوية متجهه من الميزان التجاري الى الموازنة العامة في الاقتصاد العراقي)).
و اعتمدت الدراسة على المنهج الاستقرائي و الوصفي التحليلي بهدف الوصول الى تحليل العلاقة التداخلية بين الموازنة العامة والميزان التجاري وبأستخدام الاساليب القياسية الحديثة لإاختبار صحة ما جاء في فرضية الدراسة.
وتم تقسيم هذه الدراسة الى ثلاثة فصول ، الفصل الاول : تم التطرق فيه الى الاطار المفاهيمي للموازنة العامة والميزان التجاري والعلاقة التداخلية بينهما اذ تم تقسيمه الى ثلاثة مباحث: تناول الاول فيه تعريف الموازنة العامة خصائص الموازنة العامة للدولة , مفهوم الموازنة العامة في بعض المدارس الاقتصادية كالمدرسة التقليدية ,المدرسة الكينزية والمدرسة النقودية , ومدرسة التوقعات العقلانية ومدرسة اقتصاديات جانب العرض, في حين تناول المبحث الثاني مفهوم الميزان التجاري واهميته في التحليل الاقتصادي والتطرق الى مفهوم ميزان المدفوعات وهيكليته, اما المبحث الثالث فقد تناول العلاقة التداخلية لأختلال الموازنة العامة والميزان التجاري وتم التطرق فيه الى اسباب الاختلال في الموازنة العامة واسباب اختلال الميزان التجاري.
الفصل الثاني :- عني هذا الفصل بتحليل العلاقة بين الموازنة العامة والميزان التجاري ولمدة الدراسة , فقد جاء بمبحثين , تناول الاول تحليل هيكل الموازنة العامة للعراق (ايرادات ونفقات ) اما المبحث الثاني فقد تناول تحليل تطورات الميزان التجاري العراقي طيلة مدة الدراسة وتحليل جانبي الميزان التجاري (الصادرات والاستيرادات).
الفصل الثالث :- جاء بمبحثين , الاول : فقد تناول تحليل العلاقة التداخلية بين حالة الموازنة العامة و حالة الميزان التجاري , والثاني: لدراسة القياسية لإختبار العلاقة التداخلية بين الموازنة العامة والميزان التجاري.
وتم التوصل الى جملة من التوصيات ندرج اهمها :
- تم التوصل الى وجود علاقة سببية قوية متجه من الميزان التجاري الى الموازنة العامة وهذا يؤكد صحة الفرضية.
- اتسمت الإيرادات العامة بنمو متصاعد اذ بلغ معدل النمو السنوي المركب للإيرادات العامة خلال مدة الدراسة (2%) الا انها كانت متذبذبة للاعتمادية المفرطة على عوائد المتأتية من القطاع النفطي التي بلغت متوسط الاهمية النسبية للإيرادات النفطية الى الإيرادات العامة خلال مدة الدراسة الى(91.7%) مما يعطي انطباعا واضحا على ريعية الاقتصاد العراقي.
- ضعف دور الإيرادات الضريبة والإيرادات الاخرى اذ لا تشكل الا نسب ضئيلة اذ بلغ متوسط نسبة المساهمة للإيرادات الضريبة (4%) في احسن حالتها وبلغت الإيرادات الاخرى (5.6%) خلال مدة الدراسة.
وتم التوصل الى مجموعة من الاستنتاجات منها :
- إعطاء أهمية أكبر للأنفاق الاستثماري على حساب الانفاق الاستهلاكي ولاسيما في الأمد القصير والمتوسط، وذلك لكون الانفاق الاستثماري هو الأساس في تطور الاقتصاد والوسيلة الأساس لتنويع وزيادة الدخل والاستهلاك في الأمد الطويل.
- توفير الحماية والدعم اللازمين للقطاعات الإنتاجية في العراق من اجل تقليل الاعتماد على الخارج في اشباع الطلب المحلي والحد من ظاهرة الانكشاف الاقتصادي لما لهذه الظاهرة من اثار سلبية على مجمل الاقتصاد الوطني.
- انشاء صناديق الثروة السيادية في سبيل الاستفادة من الفائض الاقتصادي المتحقق في بعض السنوات، وذلك من خلال حفظ واستثمار ذلك الفائض وعدم توجيهه نحو زيادة الانفاق الاستهلاكي، وهذا يساعد في التقليل من الاثار السلبية الناجمة من الاعتماد على الإيرادات النفطي.