تمت في كلية الادارة والاقتصاد – جامعة بغداد ، مناقشة بحث الدبلوم العالي في تخصص الادارة المحلية للطالب ( محمد جلال محمود ) باشراف أ.د. عبد الرزاق إبراهيم الشيخلي عن دراسته الموسومة ( رسم السياسات المحلية لمحافظة بغداد وفقا للتعديل الثاني لقانون المحافظات رقم ( 21 ) لسنة ( 2008 ) – دراسة حالة).
ادرك العديد من القادة والسياسيين والمفكرين في مختلف مجالات الأنظمة السياسية والتشريعية والإدارية ضرورة إيجاد حلول عملية للمشاكل المختلفة التي ظهرت ومازالت تظهر بسبب التطورات الحاصلة في العالم في شتى المجالات العامة حيث ان تلك المشاكل تمس المواطنين واحتياجاتهم وإدارة شؤونهم ومتطلبات حياتهم اليومية ، وبما ان هذه الحلول يجب ان تكون عبارة عن جملة من البرامج والخطط التي تحقق اهداف المواطنين ، برز هنا مفهوم السياسات العامة او السياسات العمومية كما يسمى في بعض البلدان ، حيث نال هذا الموضوع اهتماما كبيرا من العديد من الباحثين والمفكرين والسياسيين والقادة ليصبح منهلا أساسيا من مناهل دراسة العديد من العلوم الأخرى كالسياسية والاجتماعية والاقتصادية.
إذ ان السياسات العامة بعد ان تقر من قبل النظام السياسي تمتاز بالتنوع والشمولية لكي تستطيع ان تمس وتوائم كافة جوانب الحياة المجتمعية ، لذلك نراها ( السياسات العامة ) تتصف بالتعقيد كونها عملية سياسية بالمقام الأول ، كما تختلف من دولة الى أخرى من حيث طبيعة الإجراءات في صناعة تلك السياسات استنادا الى نوع النظام السياسي والأجهزة الحكومية وغير الحكومية ، ما اذا كانت تلك الأنظمة السياسية برلمانية او رئاسية او مختلطة.
لذلك نجد ان التطورات والتحولات الكبيرة والسريعة والمتلاحقة في الدولة تمثل العامل الرئيسي في رسم السياسات العامة للدولة ، للعمل على وضع الخطط والبرامج وإقرارها وتنفيذها لتحقيق الأهداف النافعة للمجتمع وإدارة شؤون الدولة والمرافق العامة ، اذ تمثل الحلقة الوسيطة بين القادة السياسيين والباحثين والمفكرين وبين المجتمع كونها تهتم بإدارة شؤونها وتعمل على معالجة وحل المشاكل والنزاعات التي تصيب الافراد والمؤسسات.
وبما ان الإدارة المحلية تمثل الحلقة التي تربط بين الحكومة المركزية والمجتمع المحلي اصبحت هذه الحلقة عصبا أساسيا من نسيج الدولة الديمقراطية الحديثة كونها ترتكز على مشاركة الجماهير في العملية السياسية والخدمية وبالتالي باتت تكتسب الصلاحيات شيئا فشيئا من الحكومة المركزية لكي تقوم بدورها في عملية البناء والتنمية ، لذلك فإنها ترتكز على ركيزتين أساسيتين ( حجم الصلاحيات المفوضة والمنقولة ، والمشاركة الواسعة ) ، وبالتزايد المستمر للمهام والصلاحيات المنقولة من الحكومة المركزية الى الحكومات المحلية اصبح لزاما على الحكومات المحلية ان تعد العدة من اجل اعداد البرامج والاليات اللازمة والضرورية للعمل وفق تلك المهام وادارتها بالشكل الصحيح والمناسب من اجل تلبية احتياجات المجتمع المحلي ومعالجة المشاكل والقضايا التي تواجههم.
ويعتبر التعديل الثاني لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم ( 21 ) لسنة ( 2008 ) تعديلا مهما كونه اعطى للمحافظات الصفة الحقيقية في تدعيم اللامركزية التي أشار اليها الدستور العراقي حيث شمل التعديل ( 16 ) مادة من القانون من أهمها المادة ( 45 ) التي نصت على نقل الدوائر الفرعية والأجهزة والوظائف والخدمات والاختصاصات العائدة الى كل من وزارة ( البلديات والاشغال العامة ، الاعمار والإسكان ، التربية ، الصحة ، الزراعة ، العمل والشؤون الاجتماعية ، المالية ، الشباب والرياضة ) الى المحافظات مما يفسح مجالاً واسعاً امام المحافظات لممارسة دورها في رسم السياسات على المستوى المحلي.
وبما ان محافظة بغداد هي العاصمة وتتحمل الثقل الأكبر كون ان نسبة السكان فيها تمثل ( 21 % ) من مجموع سكان العراق ، وكون ان الباحث موظفا في الحكومة المحلية لمحافظة بغداد تم اختيارها كحالة دراسية ، حيث يستعرض هذا البحث المشكلة المتمثلة بمدى جاهزية المعنيين برسم السياسات المحلية ، حيث يحتوي هذا البحث على اربعة فصول أولها يستعرض منهجيته والدراسات السابقة ، من خلال مبحثين ، والثاني يستعرض عملية رسم السياسات المحلية والمراحل المثلى التي تمر بها والجهات المعنية التي يخولها القانون وكل ذلك بعد ان يتم استعراض ماهية السياسات العامة واللامركزية اللذان يمثلان الأساس لوجود السياسات المحلية ، حيث احتوى هذا الفصل على ثلاثة مباحث تمثل الجانب النظري ، اما الفصل الثالث فاحتوى على ابعاد رسم السياسات المحلية باعتبارها مقياسا لتلك السياسات والجانب التحليلي لعملية رسم السياسات من خلال المقابلات الشخصية وقائمة فحص وتحليل الفجوة ( Gap Analysis Checklist ) بعد ان تم عرض نبذة عن محافظة بغداد ومجلسها وامانتها متمثلاً هذا الفصل بالجانب العملي ، اما الفصل الرابع والأخير فاحتوى على ما توصل اليه الباحث من استنتاجات وتوصيات.
و يكتسب البحث الحالي أهميته من أهمية الموضوع الذي تناوله باعتباره من المواضيع المهمة والحساسة والذي له دور فاعل في زيادة كفاءة المحافظة على مواجهة التحديات وتحقيق النجاح من خلال فاعلية اتخاذ القرارات خلال وضع الية لرسم السياسات المحلية تزامنا مع توسع حجم النشاط الحكومي ونطاقه ومدى التعقيد في الأساليب والإجراءات ، مما يستلزم بالضرورة استخدام الأساليب العلمية الحديثة بعد فهم واستيعاب السياسات العامة ورسمها وتنفيذها ، واثارة الوعي من خلال التأكيد على دور الدوائر المحلية المعنية في عملية رسم السياسات المحلية.
و ان الهدف الأساسي من البحث هو كيفية الاستفادة من السياسات العامة من اجل الارتقاء بواقع المؤسسات الحكومية وبالخصوص مؤسسات الحكومات المحلية ، وذلك لما تقدمه من خدمات كثيرة وبالخصوص بعد صدور التعديل الثاني من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم ( 21 ) لسنة ( 2008 ) م والذي منح الحكومات المحلية صلاحيات أوسع من خلال الاشراف على عمل دوائر الصحة والتربية والعمل والشؤون الاجتماعية والبلديات والزراعة والاعمار والإسكان والشباب والرياضة ، ومن هنا برزت عدة اهداف منها :-
- الاهتمام بعملية رسم السياسات المحلية بشكل اكبر فاعلية يتلائم مع حجم المسؤوليات.
- ابراز دور الدوائر المعنية والمشاركة في عملية رسم السياسات المحلية.
- تسليط الضوء على اهم الابعاد الفاعلة لعملية رسم السياسات المحلية.
- تسليط الضوء على المراحل التي تمر بها عملية رسم السياسات المحلية.
- تحديد المعوقات التي تواجه عملية رسم السياسات المحلية.
- بيان الفرق بين عملية رسم السياسات المحلية من قبل المحافظة كجهة تنفيذية ومجلس المحافظة كجهة تشريعية.
- تقديم الحلول المناسبة والمقترحة في عملية رفع كفاءة رسم السياسات المحلية من خلال الاستنتاجات والتوصيات.
وتوصل الباحث الى عدة نقاط من الاستنتاجات نذكر منها :
- ان مجلس محافظة بغداد هو الجهة التشريعية المحلية الأولى وفقا لقانون المحافظات رقم (21) لسنة (2008) وتعديلاته ، إلا ان محافظة بغداد الجهة التنفيذية لها دور لا يقل أهمية عن درو مجلس المحافظة في عملية رسم السياسات المحلية وان كان ذلك الدور اقل ، كونها الجهة التي تلبي احتياجات المجتمع المحلي ، وهي المعنية في عملية تنفيذ السياسات المحلية بالتالي يقع عليها دور تقويم تلك السياسات ، ومن هنا يجب التأكيد على الدور التشاركي للمحافظة ومجلسها في عملية رسم السياسات المحلية كونه لا يمكن الفصل بينهما في عملية رسم تلك السياسات.
- تعتبر عملية رسم السياسات المحلية من العمليات المعقدة ، وان درجة فاعليتها مرهونة على حجم المشاركة المتحققة.
- هنالك مسؤوليات كبيرة مترتبة على الوحدات الإدارية كونها تمثل المجسات وحلقة الوصل بين الحكومة المحلية والمواطن.
- ان حجم المسؤوليات والصلاحيات التي تم نقلها الى محافظة بغداد لا تتناسب مع حجم المحافظة وأجهزتها الإدارية كون ان الدوائر المنقولة ذات هيكليات وكوادر وظيفية ضخمة على عكس باقي المحافظات لذلك كان من المفروض ان تتم عملية نقل الصلاحيات الى محافظة بغداد تدريجيا.
- ان الصراعات الدائمة بين المكونات السياسية تنعكس سلبا على أداء محافظة بغداد فتؤثر على الاستقرار الوظيفي مما يتسبب في عدم قدرة إدارات المحافظة بشقيها التشريعي والتنفيذي من رسم سياسات واتخاذ قرارات طويلة من اجل تحقيق اهداف طويلة الأمد لمعالجة المشاكل والقضايا المحلية.
كما توصل البحث الى عدد من التوصيات والمقترحات ندرج منها:
- ضرورة تفعيل المادة ( 65 ) من الدستور التي تنص على انشاء ( المجلس الاتحادي ) الذي يضمن تحقيق المشاركة بشكل قانوني وفاعل في عملية رسم السياسة العامة للدولة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية والذي يضم ممثلين من أعضاء مجلس النواب وممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم .
- ضرورة العمل على إيجاد مصادر تمويل محلية جديدة او تعظيم للإيرادات المحلية ، بشكل لا يثقل كاهل المواطن المحلي ، فعلى سبيل المثال يمكن العمل على تشريع قوانين محلية تمكن الحكومة المحلية لمحافظة بغداد من تحقيق شراكات مع المصارف لغرض تمويل مشاريع تجارية او استثمارية تكون ادارتها مشتركة ، على سبيل المثال إعادة تأهيل بنايات الأسواق المركزية وتحويلها الى مجمعات تجارية .
- ضرورة العمل على تفعيل دور القطاع الخاص كونه يساهم في معالجة الكثير من المشاكل الاقتصادية مما يساهم في تقليل أعباء الحكومة المحلية ، وذلك من خلال تشريع سياسات محلية مناسبة ، على سبيل المثال إقامة مجمعات صناعية في اطراف محافظة بغداد وتقديم التسهيلات اللازمة والضرورية لذوي المهن الحرفية والمصانع والورش الصناعية .
- ضرورة الاستفادة من المراكز البحثية المتخصصة ، والأساتذة الاكاديميين المتخصصين في عملية رسم السياسات المحلية ، فيمكن على سبيل المثال انشاء مركز للدراسات والأبحاث لمحافظة بغداد بالتنسيق مع الجامعات المتخصصة من اجل اغناء الحكومة المحلية لمحافظة بغداد بالبحوث والدراسات التخصصية حول المشاكل والقضايا المحلية لتعزيز الخيارات في عملية رسم السياسات المحلية ، ويمكن الاستفادة من الاكاديميين المتقاعدين ذوي الخبرات الكبيرة والمتراكمة .
- تفعيل دور النقابات من خلال اشراكها في عملية رسم السياسات المحلية ومشاركتا في تطوير أنظمتها الداخلية لضمان تفاعل اكبر للشرائح المنتمية الى تلك النقابات كونه ينعكس بشكل إيجابي على عملية رسم السياسات المحلية .
- اشراك ممثلين عن القطاع الخاص والنخب والاكاديميين في الاجتماعات الخاصة بعملية رسم السياسات المحلية التي يتراسها المحافظ من اجل تعزيز الثقة بالمواطنين .
- ضرورة نشر السياسات المحلية والقوانين والتعليمات التي تشرعها المحافظة في مواقع التواصل الاجتماعي كان تكون مجلة الكترونية مثلا وباطار اداري مهني بعيدا عن الترويج الإعلامي .
- تفعيل دور الإدارة الالكترونية في عملية تنفيذ السياسات المحلية لدورها الفاعل في تقليل النفقات والوقت وتحقيق قدر اكبر من الكفاءة والفاعلية .
- التأكيد على أهمية التدريب والتطوير الوظيفي من خلال رسم سياسات ووضع خطط حديثة تتلائم مع التطور الحاصل على ان تكون خارج مبنى المحافظة وعلى سبيل المثال في الجامعات والمعاهد من اجل الاستفادة من الخبرات الاكاديمية وابعاد الموظفين عن الروتين الوظيفي .