تمت في كلية الادارة والاقتصاد جامعة بغداد ، مناقشة اطروحة دكتوراه في تخصص ادارة الاعمال للطالب (مصطفى محمود محمد) بأشراف أ.د. غني دحام تناي عن اطروحته الموسومة (العلاقة بين الذكاء الثقافي والقيم الاستراتيجية للموارد البشرية وإسهامها في تحقيق التفوق الاستراتيجي على وفق الدور التفاعلي لفرق العمل الافتراضية- بحث ميداني في مجموعة شركات زين)

أن إدارة الموارد البشرية تواجه التحدي الأعظم في التعامل مع القضايا التي تشتمل كلياً او جزئياً على عدد متنوع ومتعدد من الثقافات، فإدارة الموارد البشرية-بوصفها على تماس مباشر مع الأفراد-تتحمل المسؤولية المباشرة عن الإدارة الفاعلة للثقافات المتنوعة لدى الافراد، وبالتالي تقديم التفسير المنطقي والمحفز لجذب الافراد ذوي الثقافات المتعددة، وبيان أثر هذه الأنشطة في تحقيق النتائج المرجوة، والاستراتيجية منها على وجه الخصوص. فالوعي الثقافي هو أساس التواصل بين الموارد البشرية، وينطوي على القدرة على إدراك القيم والمعتقدات والتصورات الثقافية. ومن المحتمل أن يكون لدى المديرين المغتربين الدراية المناسبة بالاختلافات بين الثقافة العالمية بمقابل الثقافة المحلية، ما يجعل انشاء الثقافة التنظيمية الملائمة احدى أهم مسؤوليات إدارة الموارد البشرية.

إن الاشكال الفكري للبحث الحالي يتمثل في تحديد شكل ونوع العلاقة بين الذكاء الثقافي والقيم الاستراتيجية للموارد البشرية من جهة، والتفوق الاستراتيجي من جهة أخرى، عبر تسكين وتفعيل دور فرق العمل الافتراضية لتحديد تأثيرها في مساهمة العلاقة بين الذكاء الثقافي والقيم الاستراتيجية للموارد البشرية في بلوغ التفوق الاستراتيجي. وتشتمل المعضلة الفكرية لهذا البحث على القضايا المُفترضة الآتية:

  • ان الذكاء الثقافي يُعد متطلباً أساسياً للموظفين في المنظمات التي تعمل في بلدان متعددة، وبالتالي فان الذكاء الثقافي يرتبط ويؤثر إيجابياً في رغبة المنظمات في الوصول الى حالة من التفوق الاستراتيجي مقارنة بالمنافسين.
  • الذكاء الثقافي ُحسن سعي المنظمة لتحقيق القيم الاستراتيجية للموارد البشرية من الاستفادة الكاملة من الموارد البشرية والتي تؤدي في النهاية الى تحسين الوضع التنافسي للمنظمة.
  • ينتج عن سعي المنظمات لان يمتلك موظفيها مستوى عال من الذكاء الثقافي، والتي يتم فيها إدارة هذه المستوى بشكل فاعل للوصول الى تحقيق القيمة الاستراتيجية للموارد البشرية، قدرات استراتيجية، وبالتالي مركز تنافسي أفضل.
  • يُحسن اعتماد فرق العمل الافتراضية من مستوى الذكاء الثقافي لدى المنظمات، ويزيد من ادراكها للقيم الاستراتيجية للموارد بالشرية، ويعزز سعيها في بلوغ التفوق على المستوى الاستراتيجي.

 

تمثلت اهداف البحث في محاولته الوصول الى اجابه عن ما جاء فيه من تساؤلات تعطي صورة اكثر دقة عن مستوى تطبيق المتغيرات في مجموعة شركات زين، وشكل واتجاه العلاقات فيها. وعليه، فان أهداف البحث الحالي تتلخص في الآتي:

  • الكشف عن درجة وجود قدرات الذكاء الثقافي لدى الافراد العاملين في مجموعة شركات زين للاتصالات.
  • تحديد مستوى تحقيق القيم الاستراتيجية للموارد البشرية في مجموعة شركات زين للاتصالات.
  • تحديد وقياس ارتباط الذكاء الثقافي بتحقيق القيم الاستراتيجية للموارد البشرية في مجموعة شركات زين للاتصالات.
  • تحديد مدى درجة اعتماد مجموعة شركات زين للاتصالات على فرق العمل الافتراضية في أداء مهامها.
  • معرفة مستوى تأثير الذكاء الثقافي، والقيم الاستراتيجية للموارد البشرية في تحقيق التفوق الاستراتيجي في مجموعة شركات زين للاتصالات.
  • تحديد وتمييز الدور المُعدل لفرق العمل الافتراضية في علاقة تأثير الذكاء الثقافي والقيم الاستراتيجية للموارد البشرية في التفوق الاستراتيجي في مجموعة شركات زين للاتصالات.

 

وقد توصل البحث إلى استنتاجات عدة أهمها:

  • يعبر الذكاء الثقافي عن تتويج اهتمام الاعمال الفكرية التي ناقشت الثقافة في الوسط التنظيمي، وشددت على أهمية ادارتها بفاعلية. فمنذ كتابات (Hofstede) المتعلقة بالثقافة، تعمقت رؤية الباحثين بالطريقة التي يتوجب بها التأسيس للثقافة التنظيمية، وربط الثقافات الفرعية بها بصورة فاعلة. ومع تطور وصول منظمات الاعمال نحو البيئة العالمية، أُعيد مجدداً الى الواجهة النقاش الثقافي، والذي استقر في نهايته على أهمية امتلاك العاملين الذكاء الثقافي كواحدة من المهارات الأساسية المطلوبة.
  • تطورت مفاهيم ذكاء عديدة في الحقبة الزمنية التي نشأ وتطور فيها الذكاء الثقافي، كالذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي، الا ان الذكاء الثقافي اكتسب خصوصية أكبر لمنظمات الاعمال التي تعمل ضمن بيئات ثقافية مختلفة، مُحققاً بذلك أولوية اعلى مقارنة بأنواع الذكاء الأخرى على مستوى الاعمال.
  • تُشدد ابعاد الذكاء الثقافي منذ نشأتها وحتى اليوم على القدرات الخاصة بالأفراد أنفسهم، فالإدراك، والمعرفة، والدافعية، والتصرف، والسلوك كلها جوانب خاضعة لإرادة الفرد نفسه، وبالتالي فقد أكدت جميع النقاشات الفكرية على أن بناء الذكاء الثقافي لدى الافراد يبدأ من رغبتهم هم أولاً، ومن ثم يعتمد على تحفيز البرامج التنظيمية والإدارية.
  • لا تقتصر منافع الذكاء الثقافي على تحسين التعامل من الثقافات الجديدة أو المختلفة، بل يمتد ليشمل الجوانب الشخصية للأفراد أنفسهم، وهذا ما أقرته مجموعة من الاعمال الاكاديمية التي بينت انعكاس الذكاء الثقافي على قيم الموظفين الشخصية، وتحفيزهم على التعاون والمبادرة، وتحسين قدرات اتخاذ القرار لديهم، ومستويات اعلى من الأداء بشكل عام.
  • ان اختلاف تسمية أبعاد الذكاء الثقافي كان نتيجة للسياق الذي نوقش فيه، فقد وجد بعض الباحثين طريقهم لوضع تسميات جديدة لأبعاد الذكاء الثقافي، لا تختلف في مضمونها عن الابعاد المُعلنة والتي قدمها لأول مرة (Earley & Ang)، لذلك تبين ان البحوث التي تناولت الذكاء الثقافي على صعيد إقليمي أو متقارب جغرافياً قد اعتمدت تسمية الابعاد كما في صورتها الأولى، فيما فضّلت الاعمال الاكاديمية الحديثة والتي ناقشت الذكاء الثقافي على الصعيد الدولي والعالمي أن تعطي تسميات جديدة لأبعاد الذكاء الثقافي تتناسب وزمن ومكان اجراء البحث.

 

وقد توصلت الدراسة الى مجموعة من الاستنتاجات اهمها :

  1. حقق متغير الذكاء الثقافي مستوى أهمية عال، ودرجة موافقة مرتفعة، ما يعني أن موظفي مجموعة زين للاتصالات يتمتعون بقدرات ذكاء ثقافي مرتفعة، أي انهم قادرون على التعامل مع الثقافات الجديدة والمتنوعة على نحو فاعل، دون أن ينتج عن ذلك صراع ثقافي ناتج عن سوء فهم وتفسير معاني الكلمات والالفاظ الواردة عند التعامل مع آخرين من ثقافات مختلفة. وقد مثلت مساهمة بُعد (الدافعية) المساهمة الأكبر بين باقي الأبعاد في مستوى الذكاء الثقافي المرتفع، ما يُشير الى أن رغبة العاملين في مجموعة زين واندفاعهم نحو التعرف على الثقافات الجديدة وكيفية التعامل معها كان المسبب الأكبر في امتلاكهم لقدرات الذكاء الثقافي. وقد حل بُعد (الاتصال التعاوني) في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، والذي يشير بدوره الى مبادرات التعاون مع الآخرين دون تُشكل عوامل الثقافة المختلفة حاجزاً أمام ذلك التعاون. وبموازاة ذلك، حققت أبعاد (التكيف السلوكي، والادراك) المستويات التالية من المساهمة في الذكاء الثقافي لدى العاملين في مجموعة زين وبدرجات اتفاق مرتفعة أيضاً، ما يؤشر لمستوى إدراك عال للتباين الثقافي، وبالتالي تعديل التصرفات والافعال والكلمات لأجل أن لا يُساء فهمها من الاخرين ذوي التنوع الثقافي.
  2. حقق متغير القيم الاستراتيجية للموارد البشرية هو الآخر مستوى أهمية مرتفع، ما يؤكد وجود وأهمية تلك القيم الاستراتيجية، واعتمادهاً أساساً في رغبة مجموعة زين في الوصول الاستراتيجي. وقد جاء بُعد (المقدرات) أولاً من حيث مستوى الأهمية، والذي يعني بدوره تمتع موظفي مجموعة زين بالمقدرات الضرورية واللازمة لأداء المهام بصورة فريدة، والمشاركة الفاعلة في تحسين أداء المجموعة بشكل عام. وقد حل بُعد (التمكين) بالمرتبة الثانية، ما يعني ان العاملين في مجموعة زين يحظون بمستوى عال من التفويض والتمكين، وان آرائهم ومقترحاتهم مأخوذة بعين الاعتبار لدى الإدارة، فضلاً عن انهم هم من يحددون الطريقة الأمثل لأداء المهام على ان تحقق نتائج أفضل. وقد جاء بُعد (الابداع) في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية، ما يعني قدرة العاملين في المجموعة على تقديم الأفكار الإبداعية الجديدة والفريدة والتي تأخذ طريقها لتكون منتج او خدمة في النهاية. وأخيراً، حل بُعد (الدور الاستراتيجي) بالمرتبة الرابعة والأخير، وبدرجة أهمية مرتفعة أيضاً، وهو ما يشير الى مساهمة المورد البشري في المجموعة بشكل فاعل في القضايا الاستراتيجية.
  3. استحوذ متغير التفوق الاستراتيجي على مستوى أهمية مرتفع عبر استجابات عينة البحث لفقرات المتغير، ويؤكد هذا الأمر تفوق مجموعة زين استراتيجياً على مستوى المنطقة، عبر تقديمها لمجموعة واسعة ومتنوعة من الخدمات الفريدة، تبداً من تخصصها بشكل رئيس في مجال الاتصالات وخدمات الانترنت فائقة السرعة، ومروراً بخدمات الوساطة المالية، وصولاً الى استشارات الاعمال وغيرها الكثير. وقد حل بُعد (منطقة النفوذ) في المرتبة الأولى من حيث مستوى الأهمية، تليها الابعاد (التركيب التنافسي، الضغط التنافسي) على التوالي. وتفسر تلك النتيجة اتساع منطقة نفوذ مجموعة زين، إذ تقدم المجموعة خدماتها اقليمياً في أكثر من (8) بلدان، وتحقق في كثير منها شبكة الاتصالات الاوسع. ويتبين أيضا أن تركيب استراتيجيات التنافس الخاصة بمجموعة زين متنوع بتنوع البلدان التي تعمل ضمنها المجموعة، وأنها قادرة على فرض حالة من الضغوط التنافسية أمام منافسيها، خصوصاَ بمجال الاتصالات وخدمات الانترنت، والتي كانت زين سباقة في تقديم مستوى متقدم جدا من التكنولوجيا بذلك المجال.

Comments are disabled.