نظم قسم الاقتصاد ندوة بعنوان ( تحليل التكاليف الزراعية في ظل الثورة العلمية والتكنولوجية ) قدم فيها أ.د. بلاسم جميل خلف شرحاً وافياً لموضوع التكاليف الزراعية وتأثيرها في زيادة انتاج المحاصيل الزراعية حيث اشارت المصادر العربية والاجنبية لوجود حالتين هما :
الاولى: امكانية تغيير الانتاج الزراعي في الفترة القصيرة الاجل بمقدار ما تسمح له عناصر الانتاج المتغيرة .
والثانية : ان التكاليف الثابتة تمثل ثلثي التكاليف الكلية الزراعية.
لقد ركزت الدراسات والابحاث العلمية عالميا وعربيا على نتائج الثورة العلمية والتكنولوجية وما احدثته من تطور كبير جدا في مجال الانتاج كما ونوعا والتي حولت بلدان من المجاعة وموت الملاين جوعا الى بلدان محققة اكتفاء ذاتي مع فائض كبير من المحاصيل الاستراتيجية ،فضلا عن تحول العديد من البلدان المتقدمة من بلدان مستوردة للغذاء في النصف الاول من القرن العشرين الى بلدان مصدرة للغذاء مع الاحتفاظ بمئات الملايين من الحبوب الاستراتيجية كخزين استراتيجي.
و من خلال اعتماد الباحث على التحليل العلمي للنظرية الاقتصادية الجزئية والتطبيقات العملية ومقارنة النتائج بالواقع ، فضلا عن اخذ بعض المؤشرات الكلية المتمثلة باستخدامات الاسمدة والمبيدات والبذور المحسنة والمنشطات والمثبتات عالميا مما تأكد صحة التحليل والذي سيتم عرضه من خلال الاتي:
تحليل التكاليف المتغيرة:
بالإمكان توضيح التغيرات الحاصلة في مكونات التكاليف المتغيرة من خلال الاتي:
1- البذور المحسنة والتقاوي : لقد اجرت المراكز البحثية الزراعية منذ خمسينيات القرن الماضي العديد من البحوث والدراسات في مجال استنباط اصناف جديدة من البذور المحسنة ذات الرتب العالية جدا وامكانية تكيفها مع التربة والمناخ وطرق الري واستطاعت ان تنتج بذور ذات انتاجية عالية جدا تفوق الانتاجية التي كانت تنتجها البذور التقليدية ولعدة مرات ولمختلف الاصناف علما ان البذور تستخدم لموسم واحد وعدم امكانية الاكثار منها واعادة استخدامها في مواسم قادمة ، فضلا عن استنباط بذور تصلح للزراعة في فصل الربيع ولا تصلح في فصل الخريف وهكذا.
ان فترة الانتظار التي قد يتطلبها استنباط صنف جديد من البذور المحسنة قد تصل الى (5) سنوات وما يحتاجه من كوادر علمية وفنية واجهزة ومختبرات اذ قدرة تكاليف تحسين الصنف الواحد من البذور (100) مليون دولار وهذا ادى الى الارتفاع الكبير في تكاليف البذور المحسنة ، وكذلك الحال بالنسبة للتقاوي التي تم استنباط اصناف منها وصلت انتاجية الطن الواحد من الجيل الاول الى (24) طن لذلك ترتفع اسعار التقاوي ، وبالتالي ارتفاع التكاليف المتغيرة.
2- الاسمدة : بعد اجراء المزيد من بحوث وتحليل التربة لمعرفة العناصر العضوية فيها ودراسة وتحليل المحاصيل الزراعية وما يحتاجه كل محصول من الاسمدة الكيمياوية وما يتلاءم مع المواد العضوية في التربة من جهة وطبيعة المحصول وما يحتاجه من اسمدة من حيث الكم والنوع من جهة اخرى.
وبعد اجراء العديد من التجارب على الاسمدة الكيمياوية ومدى ملائمتها للتربة وللمحصول ودورها في زيادة الانتاجية والتي كان لها الفضل في (50%) من الزيادة الحاصلة في الانتاجية الزراعية كانت بفضل الاسمدة الكيمياوية اذ تم التوصيل الى عدة انواع من الاسمدة ، والتي تباع بأسعار مرتفعة.
اذ ان البحوث والدراسات قد كشفت ان المغنيسيوم والكبريت والكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم هي من العناصر الغذائية الثانوية والتي تحتاجها النباتات ، فضلا عن نقص الحديد والفسفور اللذين يحتاجهما النبات ، لذلك تم التركيز على انتاج الاسمدة النيتروجينية السائلة وانواع الاسمدة الفوسفاتية ، فضلا عن انتاج الاسمدة التي تحتوي على الحديد والمنغنيز والبورون والزنك والنحاس وذلك لحاجة النباتات اليها ، وان انتاج الاسمدة بحد ذاتها مكلفة. فقد تباينت الكميات المستخدمة من الاسمدة من دولة لأخرى حسب امكانياتها المالية وتوفر الاسمدة و طبيعة التربة ونوع المحصول والكمية التي يحتاجها ونوع الاسمدة .لذلك فأن اضافة اسمدة متنوعة يعني تغذية النباتات بمواد عضوية مهمة جدا مما انعكس ذلك بآثاره الايجابية على زيادة الانتاجية ، وقد تطورت معدلات استخدامات الاسمدة عالميا اذ ارتفعت معدلات الاستخدام في مجموعة من الدول المتقدمة من 6كغم/ دونم ، في ستينيات القرن الماضي الى 19كغم/دونم في سبعينيات القرن الماضي والى 68كغم دونم في ثمانينيات القرن الماضي والى 117كغم دونم في العقد الاول من القرن الحادي والعشرين.
ان الاستخدام المستمر للأراضي في الزراعة قد افقدها العديد من المواد العضوية الضرورية للزراعة مما ادى الى انخفاض الانتاجية وهذا دفع الباحثين في المراكز البحثية الزراعية الى استنباط اصناف عديدة من الاسمدة الكيمياوية والاسمدة الخضرية والاسمدة الحيوانية واضافتها بالأوقات وبالكميات التي يحتاجها النبات مما ادى الى زيادة الانتاجية من جهة بشكل كبير ورفع التكاليف المتغيرة من جهة اخرى.
3- المبيدات : اصبحت عملية استخدام المبيدات ضرورة ملحة سيما خلال العقود الثلاثة الماضية بسبب ارتفاع نسب التلوث التي اصبحت من اخطر الظواهر على النبات والانسان والحيوان ، وكثرة الامراض التي تصيب النباتات والتي ادت الى انخفاض الانتاج ، فضلا عن امكانية انتقالها الى البشر والحيوان عند استهلاك تلك النباتات.
لذلك فقد اهتمت المراكز البحثية الزراعية في انتاج انواع عدة من المبيدات تتلاءم مع طبيعة المحاصيل الزراعية وطبيعة ونوع الحشرات التي تعيش على تلك النباتات اذ ازداد الاستخدام العالمي للمبيدات خلال العقود الثلاثة الماضية للقضاء على الحشرات والادغال والحشائش الغريبة التي تنبت مع النباتات وان هذه المبيدات مع الادوات التي تستخدم في عملية المكافحة تكون ذات تكاليف عالية وهذه بدورها ساهمت في زيادة الانتاجية الزراعية من جهة ورفع التكاليف المتغيرة من جهة اخرى.
4- المكننة الزراعية : لقد كانت من نتائج البحوث الزراعية انتاج المكننة و بأشكال واحجام واغراض عدة وفقا لطبيعة الاراضي والمناخ والمحاصيل , فضلا عن انتاج كافة الآلات الملحقة بالساحبات والحاصدات وغير ذلك وقد توسعت عمليات المكننة وشملت معظم العمليات الزراعية المتعاقبة مما ادى الى ارتفاع تكاليف الحراثة على سبيل المثال التي تتم من خلالها حراثة الارض لعدة مرات والتنعيم والتعديل وفتح السواقي و التمريز والات القلع للبطاطا والبصل والجزر مثلا …. وغير ذلك وهذه كلها تسهم في زيادة الانتاج وزيادة التكاليف المتغيرة.
5- اجور العمال : في الوقت الذي حلت فيه الالة والمكننة الزراعية محل العديد من العاملين في العمليات الانتاجية والخدمية الزراعية اليدوية الا ان عدد العاملين لازال مرتفع ، فضلا عن ذلك فأنه على الرغم من انخفاض عدد العاملين الا ان رواتب واجورهم قد ارتفعت كثيرا لانهم ليسوا عمال عاديين وانما من اصحاب الخبرات والمعلومات اي ممن يمتلكون المهارات والخبرات مما يعني ارتفاع كبير في اجورهم ورواتبهم وبالتالي ارتفاع التكاليف المتغيرة.
6- الاستخدام الكبير والواسع في مجال المثبتات والمنشطات : اذ تستخدم المثبتات في اوقات التزهير للأشجار ومعظم المحاصيل النباتية الاخرى وقد اسهمت كثيرا في تثبيت الازهار ومنعها من التساقط مما انعكس ايجابيا على الانتاج الزراعي ، فضلا عن استخدام المنشطات ولعدة مرات خلال فترة نمو المحصول مما ادى ذلك الى زيادة النمو وازدياد الحجم وتحسين النوعية وزيادة قدرة النبات على مقاومة الامراض والحشرات وبعض الظروف الجوية.
ومن خلال التحليل العلمي والموضوعي والتطبيقي على ارض الواقع استنتج الاتي:
1- لا يمكن تغير الانتاج الزراعي في الفترة القصيرة الاجل من خلال تغير عناصر الانتاج المتغيرة اذ ان المرونة منخفضة جدا في هذا المجال.
2- من خلال تحليل نتائج الثورة العلمية والتكنولوجية التي شهدها القطاع الزراعي اتضحت الحقائق الاتية:
– ان الثورة العلمية والتكنولوجية قد ادت الى مضاعفة الانتاجية لأكثر من (15) ضعف عما كانت عليه قبل الثورة ، فضلا عن تحسين النوعية ، واصبحت الانتاجية دالة للتقدم التكنولوجي .
– انخفاض التكاليف الثابتة كنسبة من التكاليف الكلية اذ انخفضت الى حدود (40%) من التكاليف الكلية.
– الارتفاع الكبير للتكاليف المتغيرة مما جعلها تتجاوز (60%) من التكاليف الكلية الزراعية.
3- لقد ركزت معظم حكومات الدول المتقدمة على تقديم كل انواع الدعم المالي والفني والعلمي والتكنولوجي والمعلوماتي والاداري للمراكز البحثية الزراعية، اذ قدمت مليارات الدولارات سنويا الى المراكز البحثية الزراعية المتخصصة في انتاج البذور المحسنة ذات الرتب العالية والتقاوي والاسمدة والمكننة وسلالات الحيوانات واللقاحات والمبيدات والمثبتات والمنشطات .
4- اخذت حكومات الدول المتقدمة على مسؤوليتها بناء البنى التحتية الزراعية من مشاريع ري وبزل وسدود وخزانات وكهرباء وطرق ومواصلات.
5- اتضح ان اهم عناصر التكاليف المتغيرة هي البذور التي تحتل الدرجة الاولى ثم الاسمدة والمبيدات.
6- اظهرت الدراسة الارتفاع الكبير في عناصر التكاليف المتغيرة في العراق بسبب توقف الدعم الحكومي ، فضلا عن كونها مستوردة من الخارج ، بينما هناك انخفاض كبير فيها في الدول المتقدمة نتيجة للدعم الحكومي الكبير .
7- لم تتغير نسب التكاليف المتغيرة والثابتة في العراق عنها في الدول المتقدمة على الرغم من الارتفاع الكبير في اجمالي التكاليف الزراعية في العراق.
وقد خرج الباحث بمجموعة من التوصيات :
1- ضرورة اعادة المراكز البحثية الزراعية وتقديم كل الدعم المالي والفني والعلمي والتكنولوجي لغرض انتاج عناصر حزمة التقانة الزراعية في العراق ، بسبب احتكارها من قبل الشركات العالمية المنتجة لها ، فضلا عن ارتفاع اسعارها. وهذه هي مهمة الحكومة.
2- اعادة اعمار البنى التحتية من قبل الحكومة من مشاريع ري وبزل وسدود وخزانات وكهرباء وطرق ومواصلات.
وقد حضر الندوة الدكتور جعفر الدجيلي معاون العميد للشؤون الادارية والمالية فضلاً عن رئيس واساتذة قسم الاقتصاد وجمعٌ كبير من طلبة الدراسات العليا اضافةً الى طلبة الدراسات الاولية.