آلية تمويل عجز الموازنة العامة  في العراق واثارها في بعض المتغيرات النقدية


الطالب : عباس ناصر علي حسين       المشرف : أ.د. ثريا عبد الرحيم علي

تمت في كلية الادارة والاقتصاد – جامعة بغداد ، مناقشة رسالة الماجستير في تخصص الاقتصاد للطالب ( عباس ناصر علي ) عن دراسته الموسومة ” آلية تمويل عجز الموازنة العامة  في العراق واثارها في بعض المتغيرات النقدية “.

لم تظهر مشكلة العجز في الموازنات العامة الا بعد عام 1929 أي بعد ازمة الكساد العالمي , مما ادى الى ضرورة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي للحد من التقلبات الاقتصادية , والعراق كحالة دراسية فأنه يتعرض الى صدمات خارجية ؛ بسبب اعتماد الموازنة على ايرادات النفط , مما ادى على تزايد دور الدولة في البحث عن مصادر لتمويل نفقاتها العامة.


وفي الاقتصاد الحديث نلاحظ اغلب الدول النامية تعاني من زيادة العجوزات المالية في ميزانياتها العامة , مما جعلها تعتمد على تمويل العجز المالي من خلال الاقتراض الداخلي , وكذلك الخارجي , وينصب موضوع الدراسة على الاثنين معاً , التمويل الداخلي من خلال حوالات الخزينة , وطريقة التمويل بالعجز والتمويل الخارجي من خلال المؤسسات الدولية.


و العراق احد البلدان التي تعاني من العجز الشديد في موازنته العامة ؛ بسبب النفقات العسكرية  والخدمية , مع انخفاض اسعار النفط , وهذا يتطلب تخفيض الانفاق الحكومي والبحث عن مصادر تمويلية , واتباع الاليات  الحديثة من اجل تخفيض العجز في الموازنة الحكومية  مع الاخذ بأهمية الاثار المترتبة على المتغيرات النقدية (سعر الفائدة , سعر الصرف , التضخم , عرض النقد ).


و يحدث العجز في اغلب الموازنات العامة بسبب قصور الايرادات العامة للإيفاء بحجم النفقات العامة , وهناك عدة آليات تمويل العجز منها حوالات الخزينة المركزي والاصدار النقدي الجديد … وان لهذه الاليات اثار بالغة على بعض المتغيرات النقدية ( عرض النقد – معدل التضخم – سعر الفائدة – سعر الصرف ) اذ نلاحظ ان اغلب الاليات التي استخدمت قبل 2003 في العراق اثرت على المتغيرات النقدية حتى ارتفع عرض النقد الى اعلى مستوياته ومعدل التضخم وصل الى الجموح بينما لم تتأثر اسعار الفائدة ؛لأنها محددة من قبل البنك المركزي العراقي وهذا ما يشير الى انعدام دورها في التأثير في السوق المالية , في حين اسعار الصرف شهدت تراجعاً وتدهوراً اذ انخفض سعر صرف الدينار اتجاه الدولار الامريكي وهذا يعود الى سلبية الادوات التي استخدمت قبل 2003 او استخدامها بعيدة عن قواعدها العامة بالتالي ظهرت مشكلة الاختلالات في اغلب الجوانب النقدية اما المشكلة الاساسية (العجز في الموازنة العامة ) فبقى دون معالجة.


بعد احداث 2003 ونتيجة لتحسن ايرادات بيع النفط انخفضت المشكلة الاساسية (عجز الموازنة ) واصبحت مشكلة تخطيطية تسعى الدولة من خلالها الى تنمية المشاريع الاستثمارية , وهذا العجز التخطيطي تم تمويل اغلبه من خلال حوالات الخزينة المركزية والاقتراض الخارجي فضلاً عن السحب على المكشوف , وكان أثر هذه الاليات على بعض المتغيرات النقدية ذات نسبة مقبولة من الناحية الاقتصادية ولا يُنسى الدور الكبير الى قانون الاستقلالية الذي غير بعض قواعد التمويل اذ سيطرَ على معدلات نمو عرض النقد وبالتالي معدلات التضخم اذ انخفض التضخم عن مستواه السابق , اما سعر الفائدة فتم تحريره وتم الاعتماد على سعر السياسة Policy rate كهدف تشغيلي وسيط من قبل البنك المركزي اتجاه المصارف التجارية الا ان تخلف الجهاز المصرفي ادى الى انخفاض دور معدلات الفائدة في التأثير في السوق المالية , اما سعر الصرف فهو المتغير الهام في التأثير في السوق النقدية والمالية والذي بات مسيطراً عليه من قبل السلطة النقدية بعيداً عن تأثير اليات التمويل , وبالتالي يمكن عد سعر الصرف هو المتغير الوحيد الذي تستطيع من خلاله السلطة النقدية في التأثير على السوق المالية , واستمر العجز التخطيطي حتى عام 2013 وبعدها ظهر العجز الفعلي في الموازنة وازدادت ذروته في عام 2016 جراء انخفاض اسعار النفط , مما زادة ال=الخارجي ورغم استخدام هذه الاليات لكن لم نشاهد هناك تأثير كبير على المتغيرات النقدية الاخرى.


وتركزت مشكلة البحث باعتماد الموازنة العامة للدولة على التمويل من خلال الايرادات النفطية مع محدودية الايرادات الاخرى  , وبسبب انخفاض اسعار النفط , تعرضت الموازنة العامة الى عجز كبير, مما ادى الى لجوء الحكومة الى اختيار احدى الطرق الثلاثة التمويل بالدين العام , التمويل من خلال الاصدار النقد الجديد , الاقتراض الخارجي. 


ومن هنا نجد ان البحث يهدف الى توضيح  الطريقة الانسب والاقل كلفة لمعالجة العجز في الموازنة الحكومية , سواء التمويل عن طريق مزادات حوالات الخزينة ، او الاصدار النقدي الجديد ، وبيان ماهية الوسيلة الاكثر ملاءمة مع الاقتصاد العراقي والاقل ضرر , وكذلك بيان الاثار المترتبة على التمويل الخارجي.


وتنبع أهمية البحث من خلال التعرف الى الطريقة الانسب لتمويل عجز الموازنة الحكومية, وكذلك بيان أي الطرق الاقل تأثير على المتغيرات النقدية وعلى الاستقرار الاقتصادي.


وبهدف التحقق من فرضية الدراسة تم تقسيم البحث الى ثلاثة فصول وكما يلي :

اذ يشمل الفصل الاول : على الاطار النظري للدراسة من خلال التعرف على مفهوم العجز والدين المالي وموقف المدارس الفكرية ( النقودية والكنزية ) منه , ومن ثم بيان آليات تمويل عجز الموازنة العامة وبالاعتماد على المصادر التمويل الداخلية والخارجية مع بيان اثر هذه الاليات على المتغيرات النقدية ( عرض النقد , معدل التضخم , سعر الصرف , معدل الفائدة ). واخيرا ركزت الدراسة على جانب التنسيق بين السياسة النقدية والسياسة المالية وبيان اثر هذا التنسيق على عجز الموازنة العامة.


اما الفصل الثاني : تضمن تحليل واقع العجز والدين في العراق مع التركيز على اجراءات السياستين النقدية والمالية المتخذة اتجاه العجز في الموازنة العامة للمدة 1990-2016 , ومن ثم تحليل الاليات التي مولت هذا العجز وخلال فترتين , الاولى للمدة 1990-2003 والثاني 2004-2016 مع التحليل المفصل لأثر هذه الاليات على المتغيرات النقدية في العراق , واخيراً تم التركيز على اهمية التنسيق بين السياسة النقدية والسياسة المالية وخاصة في ظل الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد العراقي , اضافة الى بيان العلاق بين ميزانية البنك المركزي العراقي والموازنة العامة للدولة.


وركز الفصل الثالث : على الجانب القياسي, لأثبات اثر اليات التمويل على المتغيرات النقدية , في بداية الفصل ذَكَرَ الباحث بعض الجوانب النظرية فيما يخص الاختبارات المستخدمة في الاطار القياسي , ثم انصرفت الدراسة الى قياس أثر اليات تمويل عجز الموازنة العامة على المتغيرات النقدية ومن خلال استخدام نموذج متجه تصحيح الخطأ وكذلك استخدام أنموذج الانحدار الذاتي للتوزيع المتخلف زمنيا , مع التطرق الى بعض الاختبارات التي تقيس مشاكل الاقتصاد القياسي , والتي من خلالها تم التوصل الى مدى مطابقة الفرضية مع واقع الاقتصاد العراقي.


وأخيراً توصلت الدراسة الى مجموعة من الاستنتاجات القيمة والتي على اساسها تم وضع جملة من التوصيات للاستفادة منها عند اتخاذ الالية الانسب لتمويل عجز الموازنة العامة.


وتوصل الباحث الى مجموعة من الاستنتاجات ندرج منها :


1. استمرار العجز خلال المدة 1990- 2002 وقد وقع على عاتق السياسة النقدية تمويله من خلال اتباع سياسة النقد الرخيص Cheap Money Policy    وكذلك من خلال الاقتراض من البنوك التجارية مما ادى الى تفاقم الديون.

2. سجلت الموازنة العامة عجزاً مخططاً خلال المدة 2003-2013 وفائضا متحققاً خلال المدة نفسها بسبب عدم استثمار الفائض المتحقق في الموازنة العامة , اذ ظهرت نتائجه خلال المدة 2013 – 2016 اذ عانت الموازنة عجزا كبيرا جراء انخفاض اسعار النفط , وبالتالي ظهرت المشكلة من جديد وهي ارتفاع العجز من جهة وارتفاع الدين العام من جهة اخرى.

3. محدودية اسعار الفائدة في جذب الودائع والقروض الداخلية والخارجية وبالتالي انعدام دورها الايجابي مع العجز في الموازنة العامة.

4. سعر صرف الدينار متغير هامة في التأثير على عرض النقد وبالتالي التضخم , ومازالت السلطة النقدية تتحكم بالاثنين معا , اذ تمكنت من السيطرة على التضخم من خلال سيطرتها على سعر صرف الدينار طبقا لمساره الجديد الا وهو نظام المعوم المدار الذي استخدم بعد 2004.

5. ان نسبة الايرادات الضريبية (العبء الضريبي ) الى الناتج المحلي الاجمالي اثناء مدة الدراسة منخفضة جداً , مما يدل هذا على انخفاض مساهمتها في تكوين الايرادات العامة.

6. بسبب اتباع سياسة النقد الرخيص  خلال المدة 1990-2002 عبر الية الربط بين التوسع بالكتلة النقدية من جهة و زيادة العجز من جهة اخرى , مما انعكست هذه الزيادة في عرض النقد على معدلات التضخم.


واختتم الباحث دراسته بمجموعة من التوصيات وندرج منها :


1. يجب ضغط النفقات العامة وخاصةً الجارية الى ادنى من المستوى الحالي لمعالجة العجز في الموازنة العامة والذي ارتفعت نسبته الى 23% كنسبة من الايرادات العامة.

2. العمل على تطوير الاسواق المالية في العراق من خلال ابراز الدور الايجابي لسعر الفائدة في جذب الودائع الداخلية والخارجية للاستفادة منها في تمويل النفقات العامة.

3. البحث عن وسائل اضافية تساعد الايرادات النفطية في تمويل النفقات العامة ومنها الاهتمام بالجانب الضريبي الذي لا تقل اهميته عن الايرادات النفطية في دول اخرى.

4. ضرورة الالتزام بقانون الاستقلالية رقم 56 الذي نص على استقلالية البنك المركزي العراقي لأن من خلال هذا القانون يجنب البنك المركزي عدم القيام بأي تمويل مباشر للحكومة لما يترتب على هذا التمويل من تقلبات اقتصادية وكما حدث خلال المدة 1990-2002 اذ ارتفعت معدلات التضخم الى اعلى مستوياتها حتى بلغت الجموح.

5. ضرورة الالتزام باتفاقية السحب على المكشوف  المنعقدة بين المركزي والحكومة والتي تنص على اقراض الحكومة بمبلغ لا يتجاوز 15% من ايراداته , لأن الحكومة متعهدة على تسديد هذه النسبة خلال السنة فضلاً عن الفوائد المرتفعة على هذا الحساب.

Comments are disabled.