تمت في كلية الادارة والاقتصاد – جامعة بغداد ، مناقشة اطروحة الدكتوراه في تخصص الاقتصاد للطالب (مؤيد زيدان خلف) باشراف أ. د. محمد صالح سلمان عن اطروحته الموسومة (قياس وتحليل أثر تطور الناتج المحلي الإجمالي في الحد من ظاهرة الفقر في العراق باستخدام أنموذج النمو المحابي للفقر للمدة 2004- 2019)
تميز مصطلح النمو المحابي للفقراء، وهو محور دراستنا باهتمام كبير من الهيئات والمؤسسات الدولية وعلى راسها البنك الدولي وبرامج الأمم المتحدة الإنمائية، كونه يعمل على خلق ذلك النوع من النمو الاقتصادي الذي يوجه ثمار وفوائد النمو الاقتصادي لصالح الفقراء أكثر نسبياً من غير الفقراء، إذ يضيف هذا المصطلح البعد الاجتماعي للنمو بالإضافة للبعد الاقتصادي، مع التركيز في ذات الوقت على تحقيق معدلات مناسبة من التفاوت في توزيع الدخل. وينطلق البحث من نظرية مفادها أن النمو الاقتصادي المتحقق في العراق للمدة (2004-2019) كان نموا محابيا للفقراء أي انه كان موجهاً لمصلحة الطبقات الفقيرة في المجتمع.
تكتسب هذه الدراسة أهمية محلية ودولية كونها تشارك المجتمع الدولي الاهتمام بالطبقات الفقيرة والمحاولات الجادة من المؤسسات المالية والدول الصناعية المتقدمة بآلية توجيه بوصلة خطط التنمية المستدامة واستهدافها للطبقات الفقيرة بالمجتمعات النامية وجعلها الطبقة الأكثر استفادة من النمو المتحقق بالنسبة لباقي طبقات المجتمع وتحقيق النمو المحابي للفقراء.
تتجسد مشكلة الدراسة في اختلاف وجهات النظر واستمرار الجدل بين الاقتصادين والخبراء من ذوي الاختصاص في توضيح نوع واتجاه العلاقة ودرجة التأثير المتبادل بين أركان مثلث العلاقة، كل من النمو الاقتصادي والفقر والتفاوت في توزيع الدخل في العراق.
يسعى البحث إلى تحقيق الأهداف الأتية:
- تسليط الضوء على ضرورة قيام العراق بمشاركة المجتمع الدولي في اهتماماته بالفقراء وذوي الدخل المحدود في محاولة لدمجهم بالمجتمع وبالتالي ضمان عدم ضياع أو خسارة ما يمكن أن يقدموه للبلد ومن ثم للعالم اجمع في حال مشاركتهم بالعملية الإنتاجية من خلال تدريبهم وتأهيلهم واستثمار طاقاتهم البشرية الخلاّقة.
- قياس واختبار طبيعة النمو الاقتصادي المتحقق في العراق للمدة (2004-2019) هل كان من النوع النمو المحابي والمؤيد للفقراء في الاقتصاد العراقي، باستخدام نموذج (سون – كاكاواني) son- kakwani 2006..
وقد توصلت الدراسة الى مجموعة من الاستنتاجات اهمها :
- بالرغم من(ما يبدو كانه) تم التحقق من صحة فرضية الدراسة القائلة بوجود نمو محابي للفقراء في العراق للمدة (2004-2019) وذلك نتيجة لعودة الدولة لممارسة دورها التوزيعي بعد إلغاء العقوبات الاقتصادية وزيادة أسعار النفط بشكل كبير جداً مع زيادة الكميات المنتجة من النفط الخام(وليس بسبب حصول نمو اقتصادي حقيقي) الأمر الذي زاد من تدفق العوائد النفطية بشكل هائل ومضاعفة الرواتب منذ عام 2004 مما أدى الى تحسن الحالة المعيشية لشريحة كبيرة من أفراد المجتمع ناهيك عن زيادة التوظيف بشكل كبير جداً سيما في الداخلية والدفاع وبقية دوائر الدولة الرسمية حيث ان 75% من الميزانية تذهب كنفقات تشغيلية ورواتب، وكما اثبتنا ذلك في التطبيق العملي للدراسة عن طريق الأنموذج المختار لهذا الغرض.
- حقق الاقتصاد العراقي ثروات ضخمة من عوائده النفطية ما بعد 2003 بعد رفع الحظر عن صادراته النفطية، الأمر الذي قاد الى زيادات كبيرة وتطور في حجم ناتجه المحلي، ولكن بسبب التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، الداخلية منها والخارجية، كالحروب والحصار الاقتصادي والأزمات المالية بالإضافة الاختلالات الهيكلية والفساد المستشري في كافة مفاصل الدولة ناهيك عن هيمنة القطاع العام على الخاص وافتقاره الى أنماط الإنتاج الحديث، لم يتم استغلال هذه الثروات الهائلة في تحقيق نمو اقتصادي حقيقي أو تقليل عدد الفقراء واللاعدالة في توزيع الدخل أو تنويع القاعدة الإنتاجية العراقية ولم يتمكن الاقتصاد من إيجاد مورد ساند أو بديل عن النفط بغية فك ارتباطه واعتماده المفرط على النفط الناضب.
- إن التطور والزيادة الحاصلة في الناتج المحلي الإجمالي هي رهن القطاع الريعي النفطي، ويتضح ذلك من عمق الفجوة ما بين الناتج المحلي الإجمالي والناتج ما عدا النفط، الأمر الذي جعل الاقتصاد العراقي عرضة للتقلبات الحاصلة في أسعار النفط العالمية، الأمر الذي بطء النمو الاقتصادي فيه وزاد من مشكلة الفقر والتفاوت في توزيع الدخل.
ومن خلال الاستنتاجات التي توصلت اليها الدراسة قدم الباحث عدد من التوصيات اهمها:
- إدراج مؤشر النمو المحابي للفقر ضمن المؤشرات التي تقوم باحتسابها وزارة التخطيط، الجهاز المركزي للإحصاء وتكنلوجيا المعلومات العراقي، والعمل على توجيه ثمار النمو لمصلحة الفقراء وطبقة محدودي الدخل، بصورة نسبية أكثر من غير الفقراء، مع التركيز في ذات الوقت على تحقيق معدلات مناسبة من التفاوت في توزيع الدخل.
- العمل بخطوات سريعة وصادقة لإغاثة الطبقات الفقيرة وعلى وجه الخصوص المتضررين من العمليات الإرهابية الأخيرة وإطلاق التعويضات للمدن المدمرة لان ذلك سيسهم في زيادة الطلب الكلي على السلع والخدمات المختلفة وزيادة التشابكات والارتباطات الأمامية والخلفية وخلق فرص عمل جديدة وزيادة النشاط الاقتصادي وبالتالي رفع حجم الناتج المحلي الإجمالي، أي تحسين الحالة المعاشية ومستوى الرفاهية وتقنين الفقر وتقليل التفاوت في توزيع الدخل.
- محاربة الفساد المستشري في الاقتصاد العراقي، ودعم الفقراء وذوي الدخل المحدود عن طريق شمولهم بنفقات الرعاية الاجتماعية دون سواهم من المزورين وغير المحتاجين، فضلاً عن الكشف عن الموظفين الفضائيين والذين يتقاضون أكثر من راتب، وحصر هذا الأمر بجهة وحيدة منظمة وحكومية، وذلك سيكون أكثر دقة ويقلل من الفساد وإمكانية تعدد وازدواج الإعانات المقدمة من مجموعة من الهيئات والمنظمات بالإضافة لبعض وزارات الدولة المتخصصة بهذا الشأن.
- ضرورة إعادة النظر بشكل شامل بالبطاقة التموينية وتوزيعها لمستحقيها فقط الفقراء تحديداً للسيطرة على إغاثة مستحقيها والاهتمام بالتوزيع الشهري المنتظم لمفردات البطاقة التموينية وزيادة فقرات البطاقة التموينية، بهدف ضمان توفير السلع الضرورية الغذائية وغير الغذائية، بعد تحديد الطبقة المحتاجة لها بكل نزاهة وشفافية، تحت مبدأ الاستهداف الحقيقي للمستفيدين منها، بهدف ترشيد المبالغ المصروفة عليها وتقليل هدر المال العام. فقد كانت البطاقة التموينية في سنوات الحصار الاقتصادي، بتنظيمها وتعدد فقراتها، بفضل الله تعالى سببا في انقاذ الشعب العراقي من كارثة مجاعة مؤكدة.