تمت في كلية الادارة والاقتصاد / جامعة بغداد ، مناقشة اطروحة الدكتوراه في تخصص الاقتصاد للطالب ( حسين علاء حسين ) باشراف أ.د. صلاح مهدي عباس ، عن اطروحتها الموسومة ” أثر الصدمات الاقتصادية في السياسات المالية والنقدية في العراق بعد عام 2003 “.
كان رأي المدرسة الكلاسيكية في علم الاقتصاد في البدء تنظر إلى الأزمات والصدمات بأنه أمر وقتي لا يسترعي الاهتمام لهُ، بسبب افتراض هذه المدرسة بثبات المعروض الحقيقي وتلقائية عودة الاقتصاد إلى نقطة التوازن السابقة للإنتاج وعند مستوى الاستخدام الكامل بسبب فرضية مرونة الأجور والأسعار. ولكن الانتقادات الكينزية قادت إلى تحليلها للوضع الاقتصادي إلى أنه من الممكن أن يعمل الاقتصاد عند مستوى أقل من مستوى الاستخدام الكامل وأن الحالة الأخيرة هي حالة خاصة، عليه فأن أي صدمة اقتصادية ممكن علاجها عبر سياسات حكومية (بالذات السياسة المالية) تتدخل في الاقتصاد لتعيده إلى وضعه الطبيعي. أما المدرسة النقودية فبينت أن الصدمات الاقتصادية هي ظواهر نقدية تسببت به تدخلات الحكومة عبر سياستها المالية في الاقتصاد، فارتفاع المستوى العام للأسعار متأتية من كون التضخم هو ظاهرة نقدية بحتة نتيجة زيادة كمية النقود التي تم ضخها في الاقتصاد.
فموضوع الصدمات التي تواجهها الاقتصاديات من المواضيع الهامة التي اهتم بها الباحثين والدارسين للجانب الاقتصادي منذ السبعينات من القرن الماضي، فقد يكون الاقتصادي جيرالد بولاك Gerald A. Pollack في عام 1976 من أوائل من أهتم بهذا الموضوع من خلال تحليله لصدمة أسعار النفط. وموضوع الصدمات يتخذ أبعاد عديدة منها ما هو مرتبط بالداخل الاقتصادي فتسمى صدمات داخلية، كما في صدمة تغير المستوى التكنولوجي أو اكتشاف موارد طبيعية جديدة أو عدم الاستقرار الأمني والسياسي المحلي، مما قد تؤدي إلى تغير توجهات السياسات الاقتصادية بالذات السياسات المالية والنقدية، من خلال ان تغير احد هذه الصدمات تعمل على توجيه اجراءات السياسات باتجاهات ايجابية و / أو سلبية حسب نوع الاقتصاد ومديات علاقة الصدمات بأدوات السياسات وتأثيرها في أهدافهما، مما يؤثر في المتغيرات المالية والنقدية ونسب نموها السنوية. كما ان هناك صدمات متأتية من خارج الاقتصاد المحلي فتسمى بالصدمات الخارجية، كما في حالة تعرض الاقتصاديات النفطية لتغيرات أسعار النفط بالأسواق العالمية، مما سينعكس على متغيرات الاقتصاد المحلي لهذه الاقتصاديات منها المتغيرات المالية والنقدية، ويكون اتجاه التغير في هذه المتغيرات إيجابي في حالة ارتفاع اسعار النفط، فترتفع الايرادات المتأتية من بيع النفط، الامر الذي يؤدي إلى زيادة القدرة الانفاقية للمالية العامة وايراداتها في الدول النفطية، كما أن تحويل الايرادات الدولارية في هذه الدول إلى العملة المحلية عن طريق البنك المركزي سيزيد من الاحتياطيات النقدية لديها، ويحصل العكس في حالة انخفاض أسعار النفط (اي تغير المتغيرات المالية والنقدية يكون اتجاه كلاً منهما بالاتجاه السلبي).
بالنسبة للاقتصاد العراقي فهو من الاقتصاديات النفطية الذي تعرض للعديد من الصدمات الاقتصادية المتأتية من الخارج نتيجة تغير أسعار النفط الخام بالأسواق العالمية التي انعكست على توجهات السياسات المالية والنقدية، كما إن العراق تعرض لصدمات داخلية إضافية كصدمات انخفاض المعروض السلعي نتيجة توقف بعض المشاريع الصناعية المحلية وتغير فلسفة الدولة الاقتصادية من الفلسفة التدخلية إلى الفلسفة التحررية (مبدأ آلية السوق)، ذلك بعد التغيير السياسي (صدمة سياسية) في عام 2003 مما غير من النظام الاقتصادي وفلسفته تجاه تبني الأفكار القائمة على حرية السوق وتفاعل قواه الاقتصادية بآلية لا تتدخل الحكومة فيه (صدمة اقتصادية) التي انعكست على توجهات السياسة المالية واهدافها، وكذلك تغيرات في السياسة النقدية خاصة بعد التغيير القانونية الذي حدث في عام 2004 حيث غير من توجه هذه السياسة واهدافها ونوعية ادواتها النقدية، وتداخلت مع تلك الصدمات الاقتصادية صدمة أمنية المتمثلة بالوضع الأمني غير المستقر بعد تغيير عام 2003 ومواجهة الدولة للتنظيمات الارهابية المسببة بعدم الاستقرار الأمني في العراق، مما تولد نفقات حكومية اضافية منها العسكرية وأخرى اجتماعية واقتصادية لمجابة الانعكاسات السلبية لهذه الصدمة.
تأتي اهمية هذه الدراسة من ضرورة دراسة وضع الاقتصاد العراقي في ظل الصدمات الاقتصادية المتعددة التي تعرض ويتعرض لها البلد خاصة بعد عام 2003، وأثره هذه الصدمات في مسار السياسات المالية والنقدية، وفي التغيرات لمستويات نمو متغيرات هذه السياسات، بما يسحب الاقتصاد المحلي إلى قاع الأزمات والتشوهات الاقتصادية. ويرجع عمق تأثر المتغيرات المالية والنقدية في العراق إلى مستوى العلاقة الدالية بين الصدمات الاقتصادية والتغييرات المفاجئة للقرارات المالية والنقدية على المستوى المحلي، وإلى اتجاه هذه الصدمات سواء كونها إيجابية التأثير أو سلبية التأثير.
وتتمحور مشكلة الدراسة بأن الاقتصاد العراقي مر بظروف وأزمات كثيرة جعله من الاقتصاديات الهشة التي من السهولة أن يتعرض لأي صدمة اقتصادية سواء ذات منشأ داخلي أو خارجي، بما يؤدي إلى تغييرات مفاجئة تطال السياسات المالية والنقدية التي ستنعكس على الوضع الداخلي للاقتصاد العراقي، لتظهر بشكل تغييرات ايجابية أو سلبية لمعدلات التغير السنوية الخاصة بمتغيرات هاتين السياستين، وحسب اتجاه الصدمة ومديات تأثيرها في الاقتصاد العراقي.
وتسعى الدراسة إلى تحقيق الهدف الأتي: هو تحليلاً لموضوع الصدمات الاقتصادية ومنشأها في العراق بعد عام 2003، فهناك صدمات ظهرت نتيجة عدم الاستقرار في الوضع الأمني والسياسي وصدمات داخلية أخرى، التي قد تداخلت مع الصدمات النفطية الخارجية في سنوات معينة، وكان لهذه أثر في السياسات المالية والنقدية. ولذلك ستعمل الدراسة على قياس أثر الصدمات الاقتصادية في السياسات المالية والنقدية في العراق خلال مدة الدراسة المختارة من 2003 إلى 2020.
وتوصلت الدراسة إلى أن هيمنة القطاع النفطي على الاقتصاد العراقي يعرضه للعديد من الصدمات النفطية الخارجية بسبب تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، مما يجعل السياسة المالية تابعة لهكذا تقلبات وانعكاس ذلك على الإيرادات العامة والنفقات العامة ومستويات العجز والفائض في الموازنة العامة العراقية، فضلاً عن أن الموارد المالية الأجنبية المتأتية من بيع النفط الخام يعرض البنك المركزي العراقي في سياسته النقدية لتقلبات وتذبذبات أسعار النفط، بالأخص عند استخدام البنك المركزي للأداة النقدية غير المباشرة المتمثلة بنافذة العملة الأجنبية في سعي البنك لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنقدي، حيث أدت هذه السياسة إلى تحمل الاقتصاد العراقي أعباء كبيرة وعرضه لمخاطر تقلبات المتغيرات الخارجية المؤثرة في سوق النفط الخام، وكذلك تعرضه لتهريب العملة الأجنبية للخارج مما يزيد من أختلالات الاقتصاد العراقي في جانبيها المالي والنقدي. وأشارت الدراسة القياسية إلى أن السياسة المالية في العراق تأثرت بشكل أكبر بالصدمة النفطية نتيجة التغير الفجائي في السعر الإسمي لبيع النفط الخام، والسياسة النقدية فقد تأثرت بمستويات أقل. لذلك توصي الدراسة إلى ضرورة التخفيف من حدة الاعتماد على قطاع النفط في الحصول على العملة الأجنبية، من خلال تدعيم القطاعات الانتاجية المحلية كالزراعة والصناعة، بما يساهم في تخفيف الصدمات على اتجاهات السياسات المالية والنقدية.